(وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا)
فُهِم من قوله: (أَوْلَى) أنَّ جواز الوقف عليهما بالياء مرجوح نحو: هذا قاضي، ومررت بقاضي، مع الجواز، لكن القول بأنَّه مرجوحٌ مطلقاً مع وجود القراءة هذا فيه نظر، يقال: هذا من باب فصيح وأفصح، يعني: هذا جائز وهذا جائز، ما دام أنَّه قرأ به واحدٌ من السَّبعة نقول: هذا ثابتٌ.
إذاً:
أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا ..
يعني: أنَّ حذف الياء من المنقوص إذا كان غير منصوبٍ أولى من ثبوتها، فشمل المرفوع نحو: هذا قَاضْ، والمجرور نحو: مررت بِقَاضْ، بحذف الياء فيهما.
ثُمَّ قال:
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..
يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن، فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، يعني: القاضي، سيأتي أنَّ قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِين) يدخل تحته أربعة أنواع، القاضي، المحلَّى بـ (أَلْ) غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا أولى من قولك: جاء القاض، "جاء القاض" يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأنَّه قيَّد الحكم هنا بالعكس مما سبق، وما سبق في المُنَوَّن إنَّما هو أولوية.
فإذا كان كذلك فالحكم مستصحب فيما هو غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا الأكثر والأفصح والأشهر، وجاء القاض، بحذف الياء، ولذلك: ((وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)) [الرعد:9] (المُتَعَالِي) بإثبات الياء، لكن نحن نقرأ: (وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال)، ((لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)) [غافر:15] يعني: (يَوْمَ التَّلاقِي) يجوز.
ولذلك لا نُعَبِّر أنَّه مرجوح كأنَّه ليس بلغة، لا هذا ثابت وهذا ثابت، إلا أنَّ الأكثر هو الذي يُقال بأنَّه أرجح، والأقل يُقال أنَّه فصيح وهو لغة معتبرة وخاصَّة إذا قُرِئ بها في السَّبع، حينئذٍ نقول: هو لغةٌ معتبرة، ولا نُضَعِّفها، هذا فيه نظر.
(وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ)، (غَيْرُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (ذِيْ التَّنْوِينِ) مضافٌ إليه، (بِالْعَكْسِ) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خبر (بِالْعَكْس) المراد به: الخلاف (الْعَكْس) هنا .. العكس اللغوي، يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، هل يشمل حالة النَّصب أم أنَّها مُسْتَثناة؟ جاء القاضي .. مررت بالقاضي، هل إثبات الياء هنا أولى من الحذف؟ نقول: نعم، لأنَّه قال: (بِالْعَكْسِ) .. بالعكس من ماذا؟ من المُنَوَّن، في المُنَوَّن قيَّده بقوله: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فحينئذٍ الحذف ممتنع، بل تبقى الياء ثابتة، هل هذا القيد مُعْتَبر في قوله: (بِالْعَكْسِ) .. داخلٌ في المفهوم أم لا؟
إن قلنا مُعْتَبَر حينئذٍ لا إيراد على النَّاظم، وإن قلنا غير معتبر حينئذٍ يرد الإيراد على النَّاظم، والظَّاهر: أنَّه معتبر يعني: داخلٌ في قوله: (بِالْعَكْسِ) لأنَّه (بِالْعَكْسِ) مما سبق وما سبق قيَّده بكونه: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) حينئذٍ يكون ذلك الحكم مقروناً بذلك الشرط، عكسه: لغير المُنَوَّن.
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..