وهذا إنَّما يكون في المرفوع والمجرور, وأمَّا المنصوب فليس في الوقف إلا إثبات الياء، هذا الذي ينبني على الاعتراض، إذا قلنا: (بِالْعَكْسِ) دخل فيه القيد لا اعتراض على النَّاظم، إذا قلنا ليس بداخل ففيه اعتراض، لأنَّه قال:

وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..

حينئذٍ يكون إثبات الياء أولى من حذفها مطلقاً، وشمل المنصوب والمنصوب ليس فيه إلا إثبات الياء، إذاً: يَرد اعتراض على النَّاظم، لكن الصَّواب أنَّ قوله: (بِالْعَكْسِ) يعني: بالعكس من الحكم السابق، وهو قد ذكر الحكم السابق مقيَّداً بكونه: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فإذا نُصِب حينئذٍ اختلف الحكم، فالعكس مستصحب فيه القيد السابق، فلا اعتراض على النَّاظم.

قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) دخل تحته أربعة أشياء:

الأول: المقرون بـ (أَلْ)، يعني: الذي لا يُنَوَّن ما هو؟ الذي نقول إثبات الياء أولى من حذفها ما لم يكن منصوباً؟ المقرون بـ (أَلْ): جاء القاضي .. مررت بالقاضي، المقرون بـ (أَلْ) وهو وإن كان منصوباً فهو كالصحيح في نحو: رأيت القاضي، فيوقف عليه بإثبات الياء وجهاً واحداً يعني: مُرَجَّحاً، وهذا محل اعتراض على النَّاظم.

وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فكما ذكر النَّاظم، فالمختار: جاء القاضي .. بإثبات الياء، ومررت بالقاضي بإثبات الياء، ويجوز: جاء القاض .. بالحذف.

إذاً: المقرون بـ (أَلْ) فيه تفصيل: إن كان منصوباً فليس فيه إلا إثبات الياء: رأيت القاضي .. إثبات الياء.

إن كان مجروراً أو مرفوعاً ففيه وجهان: الحذف، والإثبات، والإثبات أولى، وكلاهما قُرِئ بهما في السَّبع.

الثاني: ما سقط تنوينه للنِّداء، نحو: يا قاض، فالخليل يختار فيه الإثبات، ويونس يَخْتَار فيه الحذف، يعني: هل تقف على: قاض، وهو مُنَادى .. هو مبني وليس مُنَوَّناً، سقط تنوي، دخل في قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) يا قاض، هذا غير مُنَوَّن، فالخليل يختار فيه الإثبات إذا وقفت عليه: يا قاضي، ويونس يختار فيه الحذف: يا قاض، تقف عليه بدون إرجاع الياء، ورجَّح سيبويه مذهب يونس: أنَّه يوقف عليه بالحذف، لأنَّ النِّداء محل حذفٍ ولذلك دخل فيه التَّرخيم.

الثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف، مثل: جَوَارٍ وَغَوَاشٍ، نحو: رأيت جَوَارِيَ نصباً، فيوقف عليه بإثبات الياء كما تقدَّم في المنصوب.

الرابع: ما سقط تنوينه للإضافة، إذا وقفت عليه تقول: هذا قاضي مكَّة، قاضي مكَّة أسقطت التنوين من المضاف وهو: قاضي، لو انقطع بك النفس ووقفت على: قاضي، كيف تقف عليه؟ نقول: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان، لأنَّك حذفت التنوين لأجل الإضافة، فلمَّا وقفت عليه زالت الإضافة التي هي موجب لحذف التنوين فجاز فيه الوجهان، فتقول: هذا قاضي .. هذا قاض، ثُمَّ: قاضي مكَّة، أو تُكْمِل ما بعده.

ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المُنَوَّن، لأنَّه إنَّما زالت الياء بسبب الإضافة .. لوجود التنوين، حينئذٍ لمَّا أُضِيف حُذِف التنوين، حينئذٍ رجعت الياء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015