أن الياء التي تكون جراً هذه مُشْبَعة عن الكسرة، والياء التي تكون فتحةً الأصل فيها أنها تكون مُشْبَعةً عن الألف، ولذلك خالف المثنى الأصل؛ لأن الأصل أن يعرب بالرفع في حالة الرفع بالواو لا بالألف، هذا الأصل فيه، وأن يعرب في حالة النصب بالألف، لكنه لم يجر على هذا الأصل، وإنما جرى على الأصل في حالة الجر فحسب، بخلاف الجمع هنا: جرى في رفعه على الأصل، ولم يجر في نصبه على الأصل، لماذا؟ قالوا: لأن المثنى أقل من حيث المعنى وأكثر من حيث الاستعمال، والجمع ثقيل من حيث المعنى وأقل من حيث الاستعمال، وهنا الحروف النظر فيها باعتبار الاستعمال.
حينئذٍ أُعطي الكثير استعمالاً الخفيف الذي هو الألف، وأعطي الكثير استعمالَاً -جمع المذكر السالم- الخفيف الثقيل من الحروف، إذاً: الجمع على حد المثنى؛ لأن كلاً مهما يعرب بحرفين من حروف العلة بعده نون تسقط للإضافة.
ويسمى كذلك: جمع السلامة للمذكر.
قال رحمه الله في بيان حكمه، بعد أن عرفنا حده:
وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ
وَارْفَعْ بِوَاوٍ: ارفع: هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، وارفع رفعاً مُصَوَّراً بواو، يعني: بمسمى واوٍ كما ذكرناه مراراً، إذاً: الواو المراد بها هنا الاسم، والتي تجعل علامةً للرفع، وينطق بها هي مسمى الواو: وه، مسلمو .. واو هذه، اسمها: واو، والذي يكون علامةً للرفع هو مسمى الواو نيابةً الضمة، وهذه الواو قد تكون ظاهرةً كما في: جاء الزيدون، وقد تكون مقدرةً كما في: جاء صالح القوم، صالح القوم كما في أبو العباس، صالح القوم، صالح: هذا فاعل مرفوع ورفعه الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، فهي مقدرة وليست ملفوظاً بها.
أو تكون منقلبة إلى ياء كما في: مسلمي، جاء مسلمي إذا أضفته إلى ياء المتكلم، وهو في حالة الرفع، تقول: جاء مسلِمِيَ، هذا فاعل مرفوع ورفعه الواو، أين الواو؟ منقلبة إلى ياء، انقلبت إلى ياء، وفيها سلسلة، أصلها: مسلمون لي، حذفت اللام تخفيفاً، ثم حذفت النون للإضافة، صار ماذا؟ مسلِمُوُي، اجتمع ماذا؟ واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون، الواو هذه هي علامة الرفع .. هي علامة الجمعية وعلامة الرفع، صار مسلِمُوُي، اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، والقاعدة الصرفية: أنه إذا اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياءً وإدغامها في الياء، ماذا صار؟ مسلِمُيِّ بضم الميم وتشديد الياء، قلبت ضمة الميم كسراً من أجل المناسبة صار: مسلِمِيِّ، إذاً: (مسلِمِيِّ) نقول: هذا فاعل مرفوع، جاء مسلِمِيِّ، فاعل مرفوع ورفعه ضمةٌ مقدرة على آخره.
هكذا؟ .. أين المحذوفة؟ مرفوع ورفعه الواو المنقلبة ياءً، لكن هل هذه ملفوظة بها أم مقدرة؟ مقدرة؛ لأن الأصل في العلامة أن يكون منطوقاً بها كما هي، ولا نقول: بالضمة، قد يلتبس على البعض، يظن أنه مثل: (غلامي) جاء غلامي .. جاء مسلِمِيِّ، نقول: لا، أصلها: مسلمون، قلبت الواو ياءً فأدغمت في الياء، إذاً: صارت مقدرةً.
إذاً: وارفع بواوٍ المضموم ما قبلها نيابةً عن الضمة، ظاهرةً كما في الزيدون أو مقدرة كما في صالح القوم، أو منقلبة إلى الياء كما في مسلِمِيِّ.