هنا عندنا أمران: إن أبقينا الكسرة على حالها وقعنا في مفسدة، وهي: أن القاعدة الصرفية إذا سكنت الواو وانكسر ما قبلها وجب قلبها ياءً، وإذا كان كذلك التبس المرفوع بالمنصوب أو المجزوم، دفعاً لهذا القلب .. لندفع هذا القلب ونبطل القاعدة ماذا نصنع؟ نضم الضاد نعم، (القاضُوْن) ليس عندنا واو ساكنة مكسورٌ ما قبلها، إذاً: ليس عندنا قلب للواو، لكن وقعنا في مفسدة! وهي: أن الكسرة دليل للمحذوف، فلا يجوز حذف الكسرة هذا الأصل، هذه الكسرة الأصل بقاؤها فتلزم، حينئذٍ صار عندنا مفسدتان: هكذا يقولون: مفسدةٌ كبرى، ومفسدةٌ صغرى، أيهما الكبرى؟ قلب الواو ياءً، والصغرى: ذهاب دليل الياء المحذوفة.
وارتكب الأخف من ضرين ..
فحينئذٍ نقلب الكسرة ضمة، ولو خالفنا ووقعنا في مفسدةٍ صغرى وهي: ذهاب دليل الياء؛ لئلا نقع في المفسدة الكبرى وهي: قلب الواو ياءً، إذاً: الحاصل (قاضُون) نقول: هذا جمع مذكرٍ سالم، هل سلم فيه واحده؟ نقول: لم يسلم، ووجه عدم سلامته لا لصيغة الجمع، وإنما لعلةٍ صرفية، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يخرج عن حد جمع المذكر السالم.
(مُصطَفَون) هذه عندكم سهلة، ما أصلها؟ (مُصطَفَى) الألف هذه واو (مُصطَفَوُن) تحركت الواو فتح ما قبلها فقلبت ألفاً، (مُصطَفَاْوْن) ألف ساكنة ثم واو ساكنة، هل يمكن التحريك؟ لا يمكن التحريك، إذاً: وجب حذف الألف، وبقيت الفتحة دليلاً عليها، صار: (مُصطَفَون) هل سلم المفرد؟ لم يسلم، حذفت لامه التي هي الألف المنقلبة عن الواو، لكن هذا الحذف هل هو لذات الجمع، كما تقول في سرير: سرر، أم هو لعلةٍ صرفية؟ لعلة صرفية.
لذلك نقول: إذا حذف ولم يسلم واحده في الجمع ننظر: هل هو لصيغة الجمع، لذلك سرير تقول: سُرر، ورسول تقول: رُسل، حصل حذف أو لا؟ حصل حذفٌ لكن لا لعلة تصريفية، بل لذات الجمع وصيغة الجمع، هكذا وضع أصالةً، أما (مُصطَفَون) و (قاضُوُن) هذا الأصل ليس كذلك، وإنما حصل له إعلال، وهذا لتطبيق القواعد الصرفية عليه.
هذان النوعان، نقول: لا يخرجان عن جمع المذكر السالم.
إذاً: جمع المذكر السالم: ما دل على أكثر من اثنين مع سلامة بناء مفرده لغير إعلال، لو زدناه لا بأس به، وهذا الجمع يسمى: جمع المذكر السالم، من أسمائه: جمع المذكر السالم، ويسمى: الجمع على حد المثنى، على حد المثنى، يعني: على طريقة المثنى، وما هي طريقة المثنى؟ أنه يُعرب بحرفين، يعني: بألف ونون وياء ونون.
وقولهم: يُعرب بحرفين: هذا من باب التوسع والتسامح، وإلا هو يعرب بحرف واحد، وإنما مرادهم أنه يعرب بحرف مع زيادة تكون في المثنى كما هي في الجمع فهما سيان من حيث الزيادة .. زيادة النون، إذاً: يعرب على حد المثنى، جمعه على حد المثنى؛ لأن كلاً منهما يعرب بحرفين بعدهما نون، أو يوجه أيضاً توجيه آخر: أن المثنى يعرب بحرفين، بمعنى أنه ألف وياء، والياء تكون في محلين (نصبٍ وجرٍ) كما ذكرنا، وإن كانت الياء التي في حالة الجر ليست هي عين الياء التي تكون في حالة النصب لما ذكرناه بالأمس: