لكن جمع المذكر السالم إذا جمع المنقوص كالقاضي، تقول: (قاضُوُن) والأعلى تقول: (أعلَوُن) حصل تغيير لبناء واحده أو لا؟ حصل قطعاً؛ لأن قاضِي، الضاد مكسورة، وقاضون الضاد مضمومة، هل سلم واحده؟ لم يسلم، إذاً: ليس بجمعٍ مذكرٍ سالم، أليس كذلك؟ ما دل على أكثر من اثنين مع سلامة بناء مفرده، يصدق عليه الحد؟ لا يصدق عليه الحد؛ لأن قاضِي بكسر الضاد، وقاضُوُن بضم الضاد، إذاً: تغير واحده.
(أعلَوُن) (مُصْطَفَونَ) مصطَفَاو، هذا الأصل: مصطفى، الألف هذه منقلبة عن واو، أصلها: (مُصطَفَوُن) أليس كذلك؟ تحركت الواو وانفتح ما قبله فقلبت ألفاً؛ لأنه مأخوذ من الصفوة كما مر معنا، إذا قلت: (مُصْطَفَون) الفاء بعدها لامٌ التي هي واو الكلمة، أين هي؟ محذوفة، حينئذٍ لا بد من أن نفسر السلامة مع سلامة بناء واحده مفرده لغير اعتلالٍ، يعني: ما تغير واحده في ضمن جمعه إما أن يتغير لعلة تصريفية وإما أن يتغير لذات الجمع، الثاني: جمع التكسير، والأول لا يخرج عن جمع المذكر السالم.
قاضون أصلها: (قاضِي) بالياء، إذا زدت عليه الواو والنون: قاضِيْ ياء ساكنة ثم واوٌ ساكنة التقى ساكنان، الأصل في التقاء الساكنين، ما هو الأصل؟ لدينا طريقان:
الطريق الأولى: تحريك الأول الساكن، هذا الأصل نحركه، أليس كذلك؟ هل يمكن تحريك الياء هنا؟ يمكن تحريك الياء، ولذلك الضمة والكسرة هنا تقدر لمَ: للتعذر أو للثقل؟ للثقل، إذاً: القاضيُ .. ومررت بالقاضيِ، نقول: هذا يمكن أن ينطق به اللسان، لكن فيه ثقل، نقول: هنا يتعذر تحريك الياء بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، هذا متعذر، لكن التعذر هنا لا لذاته، وإنما لأمرٍ اعتباري: وهو أننا أسقطنا عن الياء: القاضي، حركة الإعراب الأصلية التي لها أثرٌ في المعنى، دفعاً للثقل وطلباً للخفة، فمن بابٍ أولى وأحرى ألا نحركها بحركة عارضة.
لو أردنا تحريك هذا الحرف للتخلص من التقاء الساكنين لقلنا: الأولى أن نأتي بحركة الإعراب؛ لأنها هي الأصل، فإذا أسقطناها من أجل طلب الخفة أو دفعاً للثقل، فمن بابٍ أولى وأحرى: ألا نأتي بحركةٍ عارضة، إذاً: امتنع التحريك، هذا الطريق الأول في التخلص من التقاء الساكنين.
بقي الحذف، والحذف لا يتحقق إلا بشرطين: أن يكون الحرف الأول الساكن حرف علة، وأن يوجد دليلٌ قبله من جنسه، إن كان واواً فضمة، وإن كان ألفاً ففتحة، وإن كان ياءً فكسرة، هل تحقق الشرطان؟ (القاضيِ) الياء حرف علة ومكسورٌ ما قبله، إذاً: حذفنا الياء للتخلص من التقاء الساكنين، صار: (القاضِوْ) ضاد مكسورة واو ساكنة.