وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، وليس الجمع شاذَّاً بل هو مسموع، يعني: من باب أفصح وفصيح، والجرُّ هنا بإضافة (كَمْ) على الصحيح حملاً لها على ما هي مُشابِهةٌ له من العدد، إذاً: الصواب عند الجمهور: أنَّ تمييز (كَمْ) الخبرية مجرورٌ بإضافة (كَمْ) إليها.

وعند الفرَّاء بـ (مِنْ) مُقدَّرة، وَنُقِل عن الكوفيين أنَّ (مِنْ) مُقدَّرة، قيل: ويدلُّ عليه .. ولذلك يجوز إظهارها في بعض الأحوال: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ)) [النجم:26] عدد كثير (مِنْ مَلَكٍ) هذا يدلُّ على ماذا؟ الآن عندنا: كم عبدٍ ملكت؟ هذا التركيب يَحتمل أنَّ (عبدٍ) – (أنَّ عبدٍ) حكاية - مجرور بالإضافة.

ويحتمل أنَّه مجرور بـ (مِنْ) مُقدَّرة، حينئذٍ إذا قيل: بأن الأصل ألا يكون عمل حرف الجر باقياً بعد حذفه، نقول: قد سُمِع هنا: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) فحَمل اللفظ المجمل: (كم عبدٍ) من حيث العامل على ما صُرِّح فيه وهو في أفصح الكلام أولى من حمله على شيءٍ آخر مُراعاةً للقواعد العامة، فكونه صُرِّح به في الآية يُرجِّح مذهب الفرَّاء من أنَّ العامل (مِنْ) مُقدَّرة.

حينئذٍ: (كَمْ مِنْ مَلَكٍ) هذه تبقى على أصلها، (مِنْ) حرف جر، و (مَلَكٍ) هذا تمييز جُرَّ بـ: (مِنْ) ظاهرة، إذا قيل: كم مَلَكٍ .. كم عبدٍ، الأوْلَى أن نقول مجرور (عبدٍ) و (ملكٍ) بالإضافة أو بـ (مِنْ) مُقدَّرة؟ بـ (مِنْ) مُقدَّرة، هذا وجهٌ جيِّد للتَّصريح به، وأمَّا القاعدة التي نُدنْدِن حولها دائماً: بأنَّه لا يعمل محذوفاً، نقول: إذا جاء في أفصح الكلام فهو الحاكم، إذا جاء وصَحَّ: (كَمْ مِنْ مَلَكٍ) قلنا: هو التمييز وهذا الظَّاهر، أنَّ (مَلَكٍ) هنا تمييز ومجرور بـ (مِنْ) حينئذٍ نَحمل عليه سائره، ولا إشكال في هذا.

إذاً مذهب الكوفيين: أنَّ تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة مجرورٌ بـ (مِنْ) مُقدَّرة مُضمرة، وقد تظهر كالآية التي ذكرناها آية النجم، ومذهب البصريين: لا بِـ (مِنْ) مُقدَّرة، وإنَّما بالإضافة.

وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ. . . . .

كَمْ من رِجالٍ، أو: (كَمْ) مضاف و (رِجَالٍ) مضاف إليه على الوجهين، (كَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ) (كَمْ) هذا مبتدأ، والخبر محذوف أيْ: كم رجالٍ عندي .. كم مرة عندي؟ و (مَرَهْ) هذا لغةٌ في المرأة، أصله: مرأة، نُقِلت حركة الهمزة للواو، ثُمَّ حُذِفت الهمزة، مرأةٌ هذا الأصل، نُقِلت حركة الهمزة إلى الراء (مَرْ) ساكنة، ثُمَّ حُذفت الهمزة صارت مرة، فهي لغة على التخفيف.

وشرط جَرِّ تَمييز (كَمْ) الخبرية: الاتصال، فإن فُصِل نُصِب حملاً على الاستفهاميَّة، فإن ذلك جائزٌ في السَّعَة، وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرور، أو جملة، يعني: سُمِع فَصله (كَمْ) عن التمييز، والتمييز عن (كَمْ)، بالجار والمجرور، أو بالظرف، أو بالجملة.

وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرورٍ كقوله:

كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ نَالَ العُلاَ ..

كَمْ مُقْرِفٍ .. (كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ) (مُقْرِفٍ) هذا تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة، فُصِل بينه وبين (كَمْ) بقول: (بِجَوْدٍ) وهو جار مجرور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015