كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مَوْتَاةٍ .. أو: مَومَاةٍ ..
فيه ذا وذاك .. (كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مُومَاةٍ) بالجر (كَمْ موماةٍ) هذا تمييز فُصِل بينه وبين (كَمْ) بـ (دُوْنَ مَيَّةَ) وهو ظَرفٌ، والصَّحيح اختصاصه بالشِّعْر، هذا جائز لكنَّه في الشِّعْر على جهة الخصوص، وجَوَّزه الكوفيون اختياراً، فإن كان الفصل بِجملة لا بجار ومجرور أو ظرفٍ نحو:
كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلاً عَلَى عَدَمِ ..
تَعيَّن النَّصب، (فَضَلاً) هذا تَمييز، والذي عيَّن نصبه كونه فُصِل عن (كَمْ) بالجملة وهي: (نَالَنِي). تعيَّن النصب لأنَّ الفَصل بالجملة بين المتضايفين لا يَجوز، فإذا قيل: (كَمْ نَالَنِي فَضَلاً) تعيَّن النصب، هذا على مذهب البصريين: أنَّ (كَمْ) مُضافة إلى التمييز، حينئذٍ لا يَجوز الفصل بهذه العلَّة: أنَّه لا يُفصل بين المتضايفين مثل: غلام زيدٍ بَجملةٍ، أمَّا إذا قلنا: العامل هو (مِنْ مُضْمَرَا) لا يتعيَّن النصب، (كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلٍ) من فضلٍ، يبقى على الأصل، لأنَّه لا يُمنع، وجَوَّزه الكوفيون -الفصل بالجملة- بناءً على أنَّ الجرَّ بـ (مِنْ) لا بالإضافة.
إذاً:
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ
إذاً: عرفنا (كَمْ) الاستفهامية، و (كَمْ) الخبرية، الاستفهاميَّة والخبَريَّة يتفقان ويختلفان .. يفترقان، يعني: ثَمَّ أمور تَجمع بينهما .. أحكام، وَثَمَّ أمور تُفَرِّق بينهما .. يفترقان في بعض الأحكام، فيَّتفقان في تسعة أمور، ويفترقان في ثمانية.
- فيتفقان في أنَّهما اسمان .. كلٌّ منهما اسمٌ لوجود معنى الاسم .. كلمةٌ دلَّت على معنى في نفسها، فالاستفهاميَّة تدلُّ على عددٍ أيُّ عددٍ، والخَبَريَّة تدلُّ على عددٌ كثير، ويدخل حرف الجر عليها.
- اتفقا في أنَّهما مبنيان، أمَّا (كَمْ) الاستفهاميَّة و (كَمْ) الخبَريَّة من حيث اللفظ وُجِد فيهما الشَّبه الوضعي، فيُنظر إليه قد يجتمع نوعان .. شبهان، والأحسن أن يُعَلَّق بالمعنى، لأنَّ (كَمْ) الاستفهاميَّة ضُمِّن معنى همزة الاستفهام، و (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، عدد كثير: رُبَّ كريم لقيته، نقول: هنا للتكثير مثلًا، أو للتَّقليل، فإذا أراد به التكثير فهي للتكثير.
حينئذٍ نقول: (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، و (كَمْ) الاستفهامية ضُمِّنت معنى همزة الاستفهام، هذا إن راعينا المعنى وهو أجود، ولا بأس أن يُقال: بأنَّه أيضاً فيه الشَّبه الوضعي. أنَّهما اسمان مبنيَّان وبناؤهما على السكون الأصل:
وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ..
- الرابع: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامهما، إلا أنَّه في الجملة يَختلفان من حيث نوعية المُميِّز، ذاك منصوب وذا مجرور .. ذاك يكون جمع إلى آخر ما ذكرناه، إذاً: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامها، وأنَّهما يجوز حذف مُميِّزهما إذا دلَّ عليه دليل، ومنع بعض النُّحاة حذفه في مُميِّز الخبرية، الاستفهامية: كم صمت .. كم يوماً صُمْت؟ يجوز حذفه إذا دلَّ عليه دليل، وكذلك الخبرية، لكن منع بعضهم في الخبرية.