وإذا جُرَّ بـ (كَمْ) دخل عليه حرف جر، قلنا: جاز الوجهان: بكم درهمٍ اشتريت؟ جاز النصب وهو الأرجح، والجر أيضاً، وفيه قولان:
- أحدهم: أنَّه بـ (مِنْ) مضمرة كما سبق، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفرَّاء.
- والثاني: أنَّه بالإضافة، وهو مذهب الزَّجَّاج.
حينئذٍ: كم درهمٍ؟ (كَمْ) مضاف و (درهمٍ) مضافٌ إليه، وأمَّا: بكم من درهمٍ، هذا يرد عليه إشكال وهو: أن القاعدة أنَّه لا يعمل الحرف محذوفاً مضمراً، وإذا أمكنت الإضافة لا مانع أن يُقال بأنَّه مضاف ومضاف إليه.
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ
هذا النوع الثاني من نوعي (كَمْ) وهي الخبرية، قلنا: يراد بٍِها عددٌ كثير، من يستعملها للافتخار والتكثير.
(وَاسْتَعْمِلَنْهَا): (كَمْ)، (مُخْبِرَاً)، (اسْتَعْمِلَنْهَا) ليس الضمير عائد إلى (كَمْ) الاستفهامية لا .. (كَمْ) من حيث هي، (اسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً) (مُخْبِرَاً) حالٌ من الفاعل.
(كَعَشَرَهْ أَوْ مِائَةٍ) يعني: مُميِّزُها يكون (كَعَشَرَهْ أَوْ كمِائَةٍ)، (كَعَشَرَهْ) ماذا يكون تمييز (عَشَرَهْ)؟
جَمعاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ ..
(أَوْ مِائَةٍ) للمفرد .. المائة تضاف إلى مفرد، إذاً: في الحالين يكون مُميِّز (كَمْ) الخبرية مُضافاً، إلا أنَّه يكون جمعاً مراعاةً للعشرة، ويكون مفرداً مراعاةً للمائة.
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ..
فيكون جمعاً مجروراً (كَعَشَرَهْ) كتمييز العشرة، قوله: (كَعَشَرَهْ) مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِلَنْ)، نون التوكيد الخفيفة، والهاء هنا ضمير مُتَّصل مبني على الفتح في مِحلِّ نصب مفعول به، (مُخْبِرَاً) هذا حالٌ من الفاعل .. من الهاء، (كَعَشَرَهْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِلْ)، أي: يكون جمعاً مجروراً.
(أَوْ مِائَةٍ) (أَوْ) حرف عطف معطوف على (عَشَرَهْ)، (مِائَةٍ) بالجر معطوف على (عَشَرَهْ) فيكون مفرداً مجروراً، إذاً: يكون جمعاً ويكون مفرداً، تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة يَجوز أن يكون جمعاً، ويَجوز أنْ يكون مُفرداً، أمَّا إفراده فلمشابِهة (كَمْ) للمائة والألف، كيف شابَهت (كَمْ) المائة والألف؟ قالوا: في الدَّلالة على الكثرة، ومُميِّزهُما مفرد: كم غلمانٍ عندي؟ كثير، فهي أشبهت المائة .. المائة كثيرة، والألف كذلك كثيرة، فحينئذٍ إذا اسْتُعملت (كَمْ) مُراداً بها العدد الكثير صارت مُشابِهةً للمائة والألف، فحينئذٍ صار تمييزها تمييز المائة والألف وهو مفرد.
وأمَّا جمعه فليكون في اللفظ تصريحٌ بما يدلُّ على الكثرة: كم دراهمَ؟ كثير .. فجمع الكثرة يدل على الكثرة، وحينئذٍ يُراعى فيه مدلوله، وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، يعني: مع جواز الوجهين وإن قَدَّم النَّاظم العشرة على المائة إلا أنَّ العكس هو الأفصح خلافاً لما ذكره النَّاظم هنا، قد يكون من أجل الوزن.