وأشار بقوله: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) إلى أنَّ المعدود بها إن كان له جمع قِلَّة وكثرة لم يضف العدد في الغالب إلا إلى جمع القِلَّة، فتقول: عندي ثلاثة أفلس، ولا تقل: فلوس، (فلوس) مسموع (فعُول) حِينئذٍ نقول: (فلوس) هذا جمع كثرة، و (أفلس) هذا جمع قِلَّة، عندك اللفظان: عندي ثلاثة أفلسٍ، هذا الشائع والكثير، أمَّا: ثلاثة فلوس يَجوز، لكنَّه خلاف الشائع.
وثلاث أنفس ونفوس، عندنا: (أنفس) و (نفوس) سُمِع فيه النَّوعان، ويقِلُّ عندي ثلاثة فلوس وثلاث نفوس.
ومِمَّا جاء على غير الأكثر قوله تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228] (قُرُوءٍ) .. (أقراء) (قُرُوء .. فُعُول) وهو جمع كثرة، و (أقراء) جمع قِلَّة، فأضاف ثلاثة إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة وهو (أقراء) والسَّبب أنَّه شاذ، يعني: قد يُعدَل .. لأنَّه قرآن هنا، لا بُدَّ أنَّها حكمة .. من حكمة في ترك الأكثر ثُم الإقدام على الأقل، نقول: لأنَّ (أقراء) هذا شاذ كما سيأتي إن شاء الله.
فإن لم يكن للاسم إلا جمع كثرة لم يُضَف إلا إليه: ثلاثةُ رجال.
إذًا: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) نقول: مفهومه أنَّه قد يكون جمع كثرة لكنَّه قليل، وهذا إذا سُمِع له جمع قِلَّة وأضيف إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة نقول: هذا مُخالف للأكثر، أمَّا إذا لم يُسمَع إلا جمع كثرة لا نقول: مُخالف.
وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ ... وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ
(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) أضف للفرد، هذا مُتعلِّق بـ: (أَضِفْ)، (وَمِائَةً) هذا مفعولٌ به مُقدَّم، (وَالأَلْفَ) معطوفٌ عليه: أَضِفْ مِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ.
إذًا: (وَمِائَةً وَالأَلْفَ) أسماء عدد، والمراد به هنا: المائة وتثنيتها وجمعها، والمراد بالألف وتثنيتها وجمعها، حِينئذٍ: (أَضِفْ) للفرد، فليكن حِينئذٍ تمييزه مضافًا وهو مفرد، يُخالف السَّابق في كون ذاك جمعًا، وهذا إنَّما يكون مثله مضافًا إلا أنَّه مفرد.
(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) يعني: أنَّ مائًة وألفًا يضافان إلى مفرد، فتمييزهما حِينئذٍ يكون مفردًا، وفهم من إطلاقه (مِائَةً وَالأَلْفَ) أنَّ تثنية ألفٍ ومائة وجمعهما كذلك، نَحو: ألفا رجلٍ .. عندي مائة رجل، ومائتا رجل، وعندي ألف رجل، وألفا رجل، وآلاف رجلٍ، آلاف ومائتا رجلٍ.
إذًا: يضاف مطلقًا المائة والألف سواءٌ كانا مفردين في اللفظ أو مثنيين أو مجموعين، حِينئذٍ تمييزهما يكون مفردًا مضافًا.
وشذَّ تمييز المائة بمفردٍ منصوب، وإنَّما يكون مضافًا لذلك قال: (أَضِفْ) يعني: وجوبًا، وسُمِع مفردًا منصوبًا لكنه شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، كقوله:
إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْنِ عَامَا ..
(مائتي عامٍ) هذا الأفصح .. هذا الواجب، أمَّا (مِائَتَيْنِ عَامَا) على أنَّه مُفرد منصوب نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.