وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ ... وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ

يعني: إذا جاء في صورة ما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً والثاني مضارعاً، هذا القسم الثالث من الأنواع التي ذكرها ابن عقيل: أن يكون الأول ماضياً، والثاني مضارعاً، الأصل في المضارع الثاني جواب الشَّرط أن يكون مَجزوماً هذا الأصل فيه، ويجوز رفعه فيما إذا كان الأول ماضياً، ولذلك قال: (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) رفعك الجزاء بالقصر للضرورة (حَسَنٌ) يعني: مستحسن في نفسه وليس بشاذ، وليس بنادر، وليس بِخاص بالضرورة.

(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) (رَفْعُكَ) هذا مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى مفعوله أو إلى فاعله؟ (رَفْعُكَ الْجَزَاءَ) إذاً: الجزاء مفعول هو المرفوع، إذاً: (رَفْعُكَ) نقول: هذا مبتدأ وهو مصدر مضافٌ إلى فاعله، و (الجزاء) هذا مفعولٌ به منصوبٌ بالمصدر، أين الخبر؟ (حَسَنْ) فهو خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره.

(وَبَعْدَ مَاضٍ) (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفية مُتعلِّق بقوله: (حَسَنٌ) هذا صفة مُشبَّهة، فيَتعلَّق بها الظرف، إذاً: رفعك الجزاء حسنٌ بعد ماضٍ، هل المراد ماضٍ لفظاً ومعنىً، أو المراد معنىً؟ الثاني، أنَّ المراد به بعد ماضٍ ما يشمل الفعل المضارع المجزوم بـ: (لم).

(وَبَعْدَ مَاضٍ) ومثله في ذلك المضارع المنفي بـ: (لم) تقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ لم تقم أقم هذا الأصل، لكن يجوز الرَّفع فتقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ قام زيد أقم .. إنْ قام زيدٌ أقوم، (أقوم) بالرَّفع على أنَّه فعل مضارع مرفوع والأصل فيه الجزم، إذاً: يجوز فيه الجزم وهو الأصل، ويَجوز فيه الرَّفع بل الجزم هو المختار.

(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (حَسَنْ) أشار به إلى أنَّه كثير، لأنَّه لو كان قليلاً لَمَا عَبَّر بـ: (حَسَنْ) بل عبَّر بـ: (نادر) أو (قَلَّ) أو (نَزُر) كما سبق في الأبواب السَّابقة، فما قَلَّ يُعبِّر عنه بـ: (النَّزر) أو (القِلَّة) أو (الشذوذ) ونحو ذلك، ولَمَّا قال: (حَسَنْ) علمنا أنَّه كثير.

والأحسن منه الجزم لأنَّه الأصل، فقوله: (حَسَنْ) لا يلزم أنَّ الجزم أحسن، حِينئذٍ يكون دائراً بين حسنٍ وأحسن، كما يُقال: صحيح وأصح، وهنا دائرٌ بين حسن وأحسن، فالأحسن هو الجزم، لأنه أكثر وهو الأصل، وكذلك الرَّفع حسنٌ لأنَّه كثير وليس بالقليل، يعني: جائزٌ مُطلقاً.

(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، ويصح: يقوم عمروٌ، ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه، وكون الجواب محذوفاً، وعليه يكون المرفوع مستأنفاً دليل الجواب لا نفسه فلا يجوز، حِينئذٍ الجزم معطوفٌ عليه، مثل المثال الذي ذكره ابن عقيل: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ، ما إعراب (يقوم) بالرَّفع؟ عند سيبويه أنَّه رفعه على تقدير تقديمه، يعني: ليس هو الجواب، أصل التركيب: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، إذا رفع: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، فأُخِّر المتقدِّم فصار: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015