هذا البحث هو بحث صرفي، أم نحوي؟ وينظر للكلمة باعتبار آخر، باعتبار أحوال أواخرها من حيث ما يعتريها من صفات تتعلق بها من حيث الرفع أو النصب أو الخفض أو الجزم، وهذا إنما يكون بعد تركيبها، بعد إسنادها إلى غيرها حينئذٍ ننظر إلى الكلمة قال قول، ثم نقول: قال زيد .. قول قال، في نفسه لا يرفع .. لوحده قال هكذا قبل تركيبه وإسناده نقول: لا يرفع فاعله، بل هو ليس فعلاً كما سيأتي بل هو اسم، كما ذكرناه (وعلم آدم الأسماء)، فهو اسم، قال: اسم على قال محمد، محمد هذا فاعل، رفعه قال، قال أصله: قول، نقول: قال هنا ليس بفعل بل هو اسم، وسيأتي معنى قوله: ومسند.
النظر في الكلمة إما أن يكون قبل الإسناد أو بعده، هل علم النحو مختص بواحد من هذين النظرين، أو أنه يشمل النوعين؟ هذا يختلف باختلاف الأزمان، كان المتقدمون يطلقون لفظ النحو على النوعين معاً، فيشمل ماذا؟ علم الصرف المتعلق بجوهر الكلمة، وما يعتريها من إبدال أو إدغام أو حذف أو نحو ذلك، كل ما يتعلق بجوهر الكلمة دون نظر إلى إسنادها، فهذا صرف عند المتأخرين، لكنه نحو عند المتقدمين.
وأما النظر في الكلمة بعد تركيبها وإسنادها إلى غيرها، أو إسناد غيرها إليها كقال محمد، وزيد قائم، ومات عمرو، نقول: هذه جمل اسمية وجمل فعلية، هذا النظر في آخر الكلمة من حيث الإعراب والبناء هو محل نظر النحاة، ولكن هل يسوَّى بينه وبين النظر في جوهر الكلمة من حيث الاسم لا من حيث الأصول والقواعد، وإلا القواعد متباينة ومختلفة لكن هل يسمى النظران أو الاعتباران اسماً واحداً يجمع النوعين؟ هذا ما ذهب إليه المتقدمون وجرى ابن مالك رحمه الله على هذا، ولذلك قال:
مقاصد النحو، ثم نجده نظم نحواً من ثلاثمائة بيت في الصرف، فدل على ماذا؟ على أنه توسع في هذا المصطلح فضم الصرف إلى مفهوم لفظ النحو، وأما المتأخرون ففصلوا من باب التحقيق .. فصلوا بين العلمين، وجعلوا النظر في جوهر الكلمة من حيث الإعلال والإبدال والإدغام والحذف وكلما يتعلق بها، سموه علماً مستقلاً بالصرف أو التصريف ووضعوا له منظومات ونثراً وشروح وحواشي إلى آخره.
وجعلوا النحو الذي يتعلق بأحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً باسم النحو على جهة الخصوص، إذاً: المزج عند المتقدمين والفصل عند المتأخرين، فحينئذٍ نقول: النحو في الاصطلاح ثم اصطلاح للقدماء واصطلاح للمتأخرين، واصطلاح القدماء المراد بالنحو عندهم: ما يرادف علم العربية، إذا أطلق علم العربية عند المتأخرين يشمل اثني عشر نوعاً، وإذا أطلق عند المتقدمين فالمراد به النحو والصرف معاً، فصار النحو مرادفاً لعلم العربية، وصار النحو شاملاً لنوعين من الفنون وهما ما يتعلق بأواخر الكلم إعراباً وبناءً وما يتعلق بذات الكلمة أو بجوهر الكلمة، فصار المراد بالنحو عندهم ما يرادف علم العربية، أي: ما يشمل النحو والصرف فقط، لتخصيص غلبة الاستعمال علم العربية بهما، يعني: الاستعمال غلب في تخصيص علم العربية بهذين الفنين فحسب فقط.