هذا سيأتي بهبات وافرة، وأفرد الناظم لفظ: وافرة في قوله: بهبات وافرة؛ لأنه يجوز الأمران، أو لتأويل هبات بمعنى: جماعة، جماعة الهبات، فيكون جارياً على الأفصح، على كل وافق هنا وخالف هناك، وافق هنا لفظاً ومعنىً، فقال: مقاصد النحو بها محوية، جاء على الأفصح، هناك قال: بهبات وافرة خالف، والأفصح أن يقول: وافرات، ولكن نؤول له، نقول: هبات، أي: جماعة الهبات، حينئذٍ أولنا الجمع في معنى المفرد.
مقاصد النحو: النحو المراد به .. النحو في لسان العرب يأتي بمعنىً لغوي ويأتي بمعنىً اصطلاحي، واستوعب بعضهم النحو وأورده في أربعة عشر معنىً، والمشهور منها ستة معانٍ، مجموعة في قول الناظم:
قصد ومثل جهة مقدار ... قسم وبعض قاله الأخيار
قصد ومثل جهة مقدار، وقدم القصد لأنه هو الأكثر وهو الغالب في استعمال هذا اللفظ، قسم وبعض قاله الأخيار، تقول: نحوت نحوك أي: قصدت جهتك مثلاً، ونحوت المدينة، أي: قصدتها فجاء النحو هنا بمعنى القصد، وزيد نحو عمرو يعني: مثله، فجاء النحو بمعنى المثل، ومررت برجل نحوك، أي: مثلك، وتقول: صليت نحو الكعبة أي: جهتها، فالنحو هنا بمعنى: الجهة، ولزيد نحو ألف .. ألف ريال مثلاً، يعني: مقدار ألف ريال.
وهذا على أربعة أنحاء، أي: أقسام، وجاء نحو القوم، يعني: بعضهم، وأكلت نحو السمكة، أي: بعضها، وأظهر معانيه وأكثرها تداولاً هو القصد، هذا من جهة المعنى اللغوي، وهذا الذي عناه الكثير بأن النحو الاصطلاحي له مرد إلى المعنى اللغوي، إذ كل معنىً اصطلاحي ولا بد أن يكون له ارتباط بالمعنى اللغوي، والعلاقة بينهما إما العموم والخصوص المطلق، أو الوجهين.
وأما النحو في الاصطلاح فثم اصطلاح للقدماء المتقدمين، وثم اصطلاح خاص للمتأخرين بلفظ النحو، عندنا علمان: صرف ونحو، والنظر في الكلمة كلمة عربية، إما أن ينظر فيها قبل التركيب أو بعد التركيب في الجملة، إن نظر إليها قبل التركيب في جوهر الكلمة في ذاتها، كما مر معنا: المصطفى، أصله: مصتفى، قلبت التاء طاءً، هذه قاعدة.
قلنا: إذا جاء تاء الافتعال بعد حرف من أحرف الإطباق وجب قلب التاء طاءً، هذه قاعدة صرفية، النظر فيها هنا هل هو نظر إلى الإسناد، يعني: كون هذه الكلمة مسنداً أو مسنداً إليها، كونها مبتدئاً أو خبراً أو فاعلاً أو نحو ذلك نقول: لا، وإنما نظروا إلى جوهر الكلمة .. إلى ذاتها قبل تركيبها، وكذلك قوله: مصطفون .. مصطفون الواو هذه تحركت وفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، قال محمد: قال أصله: قول فهو أجوف واوي، بدليل القول ويقول، فدل على أن هذه الألف منقلبة عن واو، أصلها: قول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها.