وأمَّا (لاَ) فدخولها على فعل الغائب والمُخاطَب كثير، ولا تَختصُّ بالغائب ولا تكثر في المُخاطَب، فمثال دخولها على فعل الغائب واردٌ في القرآن: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)) [الإسراء:33] وربَّما دخلت على فعل المُتكلِّم كما سيأتي:
فلاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَباً ..
فلاَ أَعْرِفَنْ: ينهى نفسه، لكن ظاهر كلام النَّاظم (طَالِباً) يعني: طالباً من الغير، إذاً: أشْعَر كلامه بأنَّ لام الأمر و (لاَ) النَّاهيَّة تدخل على المُتكلِّم، فلا يأمر نفسه ولا ينهى نفسه.
نقول: إن كان المراد بأنَّ الكثير أن يكون طالباً من غيره فمُسلَّم، وإن كان المراد أنَّه ليس بفصيح فغير مُسلَّم لوروده في القرآن، ووروده في السنَّة، ووروده في أشعار العرب، وإن كان بالنِّسبة إلى الغائب في لام الأمر و (لاَ) النَّاهيَّة بالنِّسبة إلى الغائب والمُخاطَب كثير، إلا أنَّ الكثرة هنا والقِلَّة نِسبيَّة.
أشْعَر كلامه أنهما لا يَجزمان فِعليّ المتكلِّم، ويعنون بـ: (فِعليِّ المتكلِّم) الفعل المضارع المبدوء بِهمزة المتكلِّم، أو نون المُتكلِّم، يعني: لأُصلِّ .. لنُصلِّ، لأُصلي .. لنصلي، هل هذا وارد أم لا؟ كلام النَّاظِم أشْعَر أنَّه ليس بوارد.
أشْعَر كلامه أنهما لا يَجزمان فِعليّ المتكلِّم، وهما المبدوءان بالهمزة والنون، وهو كذلك في (لاَ) ونَدَر قوله:
لاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَباً ..
(لاَ أَعْرِفَنْ) هذا نَهى نفسه، وهذه النون للتَّوكيد ولذلك أكَّد بعد النَّفي.
إذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلاَ نَعُدْ ..
(فَلاَ نَعُدْ) هناك قال: (فلاَ أَعْرِفَنْ) دخلت (لاَ) على فعل المُتكلِّم المبدوء بالهمزة، المُتكلِّم بنفسه، وكذلك (فَلاَ نَعُدْ) دخلت على فعل مضارع للمُتكلِّم مبدوء بالنون.
فإن للمفعول جاز بكثرة، وهذا لا إشكال فيه: لا أُخْرَج، يعني: مبني للمجهول، هذا لا إشكال فيه، وكذلك: لا نُخْرَج، لأنَّ المنهي غير المُتكلِّم: لا أُخْرَج، يعني: لا يُخرِجُني أحد .. لا نُخْرَج: لا يُخْرِجنا أحد، حِينئذٍ ليس المنهي هو المُتكلِّم، وإنَّما الكلام فيما إذا كان مَبنياً للمعلوم، وأمَّا إذا كان مبنياً للمجهول حِينئذٍ انفكت الجهة، فالنَّاهي غير المنهي .. الناهي هو المُتكلِّم والمنهي غيره، لأن الأصل: لا يُخرجني أحدٌ، للمعلوم، وفاعله هو (أحد) وياء المُتكلِّم مفعولٌ به، فلمَّا حذف الفاعل وبني للمجهول استتر .. الضمير الذي هو الياء المفعول به لَمَّا بُنِي الفعل لِمَا لم يُسمَّ فاعله حِينئذٍ ارتفع على أنَّه نائب فاعل، كان منصوباً فاستتر.
حِينئذٍ الفاعل ليس هو المُتكلِّم: لا يُخرجني أحدٌ .. لا أُخْرَج، إذاً: لا يُخرِجني أحد هذا المراد.