وأمَّا اللام فجزمها لفعليِّ المُتكلِّم مبنيين للفاعل جائزٌ في السَّعَة لكنَّه قليل، (جائزٌ في السَّعَة) يعني: في سَعَة الكلام .. في النَّثر، ومنه: {قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} لا .. فَلِأُصَلِّ، اللام لام الأمر، (أُصَلِّ) فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، و (أُصَلِّ) هذا فعل مضارع مبدوء بالهمزة، إذاً: هو فعل مُتكلِّم، هل يأمر الإنسان نفسه؟ نقول: هنا ورد، وإذا ورد في السُّنَّة حِينئذٍ نقول: لا إشكال فيه، فيأمر الإنسان نفسه ويُنَزِّل نفسه مُنَزَّلة الغير فيأمرها ولا إشكال في هذا.
وكذلك قوله تعالى: ((وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)) [العنكبوت:12] (وَلْنَحْمِلْ) اللام لام الأمر هنا، و (نَحْمِلْ) هذا فعل مضارع مَجزوم بلام الأمر وهو للمُتكلِّم سواء كان وحده أو معه غيره.
وأقلُّ منه جزمها فِعْل الفاعل المُخاطَب، كقراءة أُبَي وأنس: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) خطاب، وهذا فيه عدولٌ عن أصل، ولا إشكال فيه، لأن الصِّيغة إذا كانت مستعملة في لسان العرب: (تَفْرَحُوا) وأدخلت عليه اللام .. على الأصل حِينئذٍ لا إشكال.
وكونه عُدِل عن (افْعَل) افرحوا، وهو الأصل في الأمر وإن كان مَعدُولاً عن هذا، نقول: إلا أنَّه عَدَل إلى شيءٍ مُستعملٍ في لسان العرب، فكأنَّه مُخيَّر بين هذا وذاك، والأكثر والأفْصَح والمطَّرِد في لسان العرب: أنْ يأتي بالصِّيغة الموضوعة للأمر، فيقول: افرحوا .. هذا أكثر من قوله: (فَلْتَفْرَحُوا) وكلاهما جائز، إلا أنَّ (فَلْتَفْرَحُوا) أقل بكثير من قوله: افرحوا.
وكذلك قوله: {لِتَأخُذُوا مَصَافَّكُمْ} ما قال: خذوا، مع أنَّه قال: {خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ} في موضع آخر، (لِتَأخُذُوا) إذاً: استعمل هذا واستعمل ذاك، نقول: هذا جائز وهذا جائز فلا يُمنع، ولا يُحكم بكونه شاذَّاً، ونقول: لا بأس أن يأمر نفسه وينهى نفسه ولكن على جهة التَّنْزِيل.
والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر، وفرقٌ بين أن يُقال: فصيح وأفصح، وبين أن يُقال: كثير وأكثر، وبين أن يُقال: قليل لا يُخالف الفصيح، وبين أن يُقال: هذا نادرٌ قليل لا يُعوَّل عليه، فرقٌ بين هذه المصطلحات كلها، إذا قيل: لا يُعوَّل عليه أو نادر هذا لا يأتي في القرآن، ولا يأتي في السُّنَّة النَّبوية، فإذا جاء في السنة النبوية ولو في حديث واحد نقول: هذا فصيحٌ، ونَحكم عليه بِكونه يَجوز استعماله، وإن كان غيره أكثر، لا معارضة بين هذا وذاك.
إذاً: (بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا) عرفنا أنَّ مُراده (طَالِباً) أي: طالباً من الغير، فأشْعَر أن فِعلي المُتكلِّم لا تدخل عليه لام الأمر، ولا (لاَ) النَّاهيَّة أو الدعائية، والصواب على ما ذكرناه من التفصيل.
لا يُفصَل بين (لاَ) ومَجزومها، وأمَّا قوله:
عَزِيزٍ وَلاَ ذَا حقِّ قَوْمِك تَظْلِمُ ..