إذاً: اللام التي يُجزم بها الفعل المضارع هي اللام الطَّلبيَّة، احترازاً عن غيرها، لأن اللام تَختلف، وكذلك (لاَ) المراد بها (لا) الطَّلبيَّة التي تَجزم ويكون المراد بِها النهي، حِينئذٍ (لا) الزائدة ليست مُرادة هنا، و (لا) النَّافيَّة ليست مرادة هنا، وإنَّما النَّفي مُغاير للنَّهي هذا الأصل، والنَّفي لا يؤثِّر من جهة الإعراب وإنْ أثَّر من جهة المعنى.
إذاً: (طَالِبَاً) قال بعضهم: أي آمراً أو ناهياً أو داعياً أو ملتمساً، قوله: (طَالِبَاً) أشْعَر كلامه أنَّ اللام و (لا) الطَّلبيَّة لا يجزمان فعلي المُتكلِّم، لماذا؟ لأن الآمر الأصل فيه أن يطلب من غيره، ويأمر غيره، وينهى غيره، وهل يُتصوَّر أنَّه يأمر نفسه، أو ينهى نفسه؟ في لسان العرب الأكثر خلاف ذلك: ألا يُستعمل (لا) النَّاهيَّة في نَهي النَّفس، ولا يستعمل اللام .. لام الأمر في أمر النَّفس.
وهذا يُشْعِر به قوله: (طَالِبَاً) طالباً مِن مَن؟ من الغير، حِينئذٍ طالباً من نفسك، هذا ليس بوارد، إذاً: قد تدخل اللام و (لا) على فعل الغائب، وعلى المُتكلِّم، وعلى المخاطب، لكن ليست على مرتبةٍ واحدة، وإن كان ظاهر كلام النَّاظم النفي، لكن في غيره أثبته.
نقول الخلاصة في هذا البحث: اللام يكثُر دخولها على فعل الغائب .. لام الأمر: ((لِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] (يُنفِقْ) أنفق .. يُنفِق، الياء هذه للغائب، أكثر ما تدخل اللام على الفعل المضارع الغائب، وهل تدخل على فعل المُتكلِّم؟ هذا مَحلُّ نزاع، لكن نقول: الصواب أنها قد تدخل على فعل المُتكلِّم، ولكنَّه لا يكثُر، كثرة دخولها على فعل الغائب، يعني: تدخل على مُتكلِّم فيأمر نفسه، لكنَّه ليس بالكثير، وإنما الكثير دخولها على فعل الغائب.
ويندر دخولها على فعل المُخاطَب، لأن الأمر للمخاطَب له صيغةٌ تَخصُّه: لِتفعل يا زيدُ، نقول: هذا ليس بوارد، يعني: في الأصل ليس بِوارد، وإن سُمِع .. موجود: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) .. ((فَلْيَفْرَحُوا)) [يونس:58] الأصل: (فَلْيَفْرَحُوا) مثل: ((فَلْيُنفِقْ)) [الطلاق:7] لكن سُمِع: (فَلْتَفْرَحُوا) قرئ بهما.
حِينئذٍ نقول: الأصل فيه أنْ يكون للغائب، وأمَّا المتكلِّم أو المُخاطَب فهذا قليل، ولذلك جاء في الحديث: {فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} أمرَ نفسه، دخلت اللام هنا على المُتكلِّم، إذاً: الأصل في لام الأمر أن تدخل على فعل الغائب، ودخولها على المتكلِّم أن يأمر نفسه: {قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} هذا وارد ومسموع وفصيح لكنَّه قليل، يعني: بالنِّسبة إلى دخولها على فعل الغائب قليل، وكذلك على المُخاطَب، لأن المخاطب وضَعَت له العرب صيغة تَخصُّه: افعل .. اضرب، إذاً: لماذا نَعدِل عن الصيغة الموضوعة لها في لسان العرب، وهي: اضرب، فنقول: لِتضرب .. نعدل عن الأصل إلى الفرع؟ قالوا: إذاً الأصل فيها عدم الدخول.
وأمَّا (لاَ) فدخولها على فعل الغائب والمُخاطَب كثير: لا تضرب، كثير (لا) وكذلك على الغائب: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)) [الإسراء:33] جاء في القرآن، إذاً: دخولها (لاَ) النَّاهيَّة على الغائب وعلى المُخاطَب كثير.