إذاً: هي التي قُصِد بِها سَببيَّة ما قبلها لِمَا بعدها، بقرينة العدول عن العطف على الفعل لا النصب، يعني: جعلوا النصب هنا قرينة على أنَّ المراد بها: السببية، النَصْب .. كونه عُدِل عن العطف إلى السببية دليل السببية هنا لأنَّه أمرٌ معنوي النصب، لَمَّا نُصِب الفعل المضارع بعدها بـ (أَنْ) علمنا أنَّهم أرادوا بالفاء هنا فاء السببية ولا يلزم ذلك، يعني: النصب لا يلزم، لأنَّ السَّببيَّة ثابتة بالفاء في هذا الموضع وفي غيره.
ولذلك نقول: سَهَا فسجد، تلاها فعلٌ فهي عاطفة، حينئذٍ دخلت على الجملة كما أنَّها تدخل على المفرد: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرُوٌ، وقلنا تدخل على الجمل إذا أريد بها السببية ولم تنصب هنا، لكن إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت السببية كما أفادته مع الماضي.
فالنصب ليس لكونها سببية فحسب، وإنَّما لكونه سُمِع في لسان العرب: أنَّهم ينصبون الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرة، وسبق أنَّ الإضمار سواءٌ كان واجباً أو جائزاً ليس عشوائياً، يعني: لا نأتي بأي حرف وندخله على الفعل ثُمَّ نقول: نُضْمر (أَنْ) بعدها، ليست المسألة مفتوحة هكذا، وإنَّما هي مواضع معدودة، إذا أردت إضمار (أَنْ) جوازاً فبعد اللام واسمٍ خالص أو الحروف الأربعة الآتية، وإن أردت الإضمار الواجب فبعد اللام .. لام الجحود وبعد (أَوْ) إلى آخره، وما عداه فلا.
حينئذٍ يُجْعَل مناط الحكم كونها بعد فاء السببية نقلاً عن العرب، يعني: وُجِد وَسُمِع في لسان العرب نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية، ولا أثر للسببية في كونه منصوباً أو مرفوعاً، إنَّما هو من قبيل الضوابط فحسب، كما نقول: يُنْصَب الفعل بعد لام الجحود، لام الجحود لا أثر لها في الفعل المضارع، كذلك فاء السببية لا أثر لها في الفعل المضارع، بدليل: وجودها في نحو: سها فسجد، السببية موجودة ولا إشكال.
إذاً: وهي فاء السببية التي قُصِد بها سببية ما قبلها لِمَا بعدها بقرينة العدول عن العطف على الفعل إلى النصب.
وقوله: (فَا جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ) سُمِّي جواباً، لماذا سُمِّي جواباً؟ قيل: مجاز تشبيهاً له بالشرط، وقوله: (جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ) سُمِّي (جَوَاباً) لأنَّ ما قبله من النفي والطَّلب المحضين لَمَّا كان غير ثابتٍ المضمون أشبه الشرط، يعني: ما قبلها غير ثابتٍ المضمون .. لم يقع، فإذا لم يكن قد وقع أشبه فعل الشرط: إن جِئْتَني أكرمتك، (جئتني) هذا فعل الشرط، هل وقع؟ ما وقع، إنَّما هو مُرتَّبٌ عليه الإكرام، إن حصل منك مجيء، فدل على أنَّه لم يحصل مثله هذا، حينئذٍ شُبِّه الجواب بالشرط في كونه غير واقع المضمون.
لأنَّ ما قبله من النفي والطَّلب المحضين لَمَّا كان غير ثابت المضمون أشبه الشرط الذي ليس بِمتحقِّق الوقوع فيكون ما بعد الفاء كالجواب للشرط، يعني: لَمَّا أشبه هذا الموضع فعل الشرط سُمِّي: جوباً ((يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ)) [النساء:73] هذا مثل: إن جئتني أكرمتك.