(وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ) قال: (بَعْدَ فَا جَوَابِ) احترز بـ (فَا) الجواب عن الفاء التي لِمجرَّد العطف، لأنَّ الفاء كما سبق تكون عاطفة مفرد على مفرد: جاء زيدٌ فعمروٌ، وتكون عاطفةً جملة على جملة: سها فسجد، عَطَفَت جملة على جملة، وتكون سببيةً وتقع بعدها (أَنْ) مضمرةً، إذاً: لا بُدَّ من تمييزها عن غيرها.
احترز من فاء الجواب عن الفاء التي لمُجرَّد العطف، نحو: ما تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا، إذا قصد أنَّ الفاء هنا عاطفة حينئذٍ كيف يكون المعنى؟ يَحتمل أنَّ المراد: ما تأتينا فما تحدِّثنا، قصد نفي الفعلين (ما تأتينا فتحدِّثنا) لم يقع منك إتيان ولم يقع منك تحديثٌ فَكلٌّ منهما منفي، لأنَّ العطف على نية تكرار العامل، فما بعده يأخذ حكم ما قبله.
وسبق أنَّ الفاء تُشَرِّكُ ما بعدها فيما قبلها في الحكم وفي المعنى، في الحكم الذي هو الإعراب، وفي المعنى وهذا واضح، وهنا كذلك: ما تأتينا فتحدِّثنا، يعني: ما تأتينا فما تحدِّثنا، لم يقع منك إتيان ولم يقع منك تحديثٌ فهو نفيٌ للنَّوعين.
فيكون الفعلان مقصوداً نفيهما في مثل هذا التَّركيب، وبمعنى آخر: ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، فـ (تحدِّثنا) نجعل (تُحَدِّثُنا) خبر مبتدأ محذوف: فأنت تحدِّثنا، حينئذٍ الأول منفي والثاني مثبت، يعني: قطعته عن الأول، فلك أن تجعل ما بعد الفاء خبراً لمبتدأ محذوف: ما تأتينا فتحدثنا .. ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، (ما تأتينا) هذا منفي .. الإتيان منفي .. الأول منفي، والثاني: قُصِد ثبوته.
وبِمعنى: ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، على إضمار مبتدأ، فيكون المقصود نفي الأول وإثبات الثاني، وإذا قُصِد الجواب لم يكن الفعل إلا منصوباً على معنى: ما تأتينا محدِّثاً، هذا إذا قُصِد الجواب: أنَّ ما بعد الفاء جواباً لِمَا قبله، يعني: يترتَّب عليه كَتَرَتُّب جواب الشرط على فعل الشرط، هذا المراد أنَّها سببية، يعني: ما بعدها حاصلٌ لما قبله: ما تأتينا محدِّثاً، يعني: فتحدثنا، فيكون المقصود: نفي اجتماعهما (ما تأتينا محدثاً) هذا الذي نُفي نُفيَ اجتماعُ الفعلين، أو على معنى: ما تأتينا فكيف تحدِّثنا؟ فيكون المقصود حينئذٍ نفي الثاني لانتفاء الأول.
إذاً: الحاصل من هذا أن قوله: (جَوَابِ نَفِيٍ) احترز به عن الفاء التي تكون لمجرَّد العطف، وذلك بأن يفصل ما بعد الفاء عمَّا قبله بألا يجعله جواباً له، فيحتمل أن يكون عطفاً معاً على ما سبق: ما تأتينا فما تحدثنا، ويحتمل أن تَجعل ما بعد الفاء خبر مبتدأ محذوف، يحتمل من حالٍ إلى حال.
وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَينِ. . . . . . . . . . .
يُشْتَرط في النفي: أن يكون مَحضاً، ويشترط في الطَّلب أن يكون مَحضاً، النفي مرادهم به هنا واضح: ضد الإيجاب، ولذلك يُمَثَّل له بقوله: ((لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)) [فاطر:36] الفاء سببية، وقعت جواباً لما سبق لقوله: (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (فيموتون) حُذِفت النُّون هنا والحذف للنَّاصب، (فَيَمُوتُوا) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السَّببيَّة وقعت هنا في جواب النفي.