هذا فيما إذا لم تسبق بما كان ولم يكن وهي لام الجحود، ولم يقع بعد (أنْ) المَصدريَّة (لا) حينئذٍ يَجوز فيه الوجهان: الإضمار والإظهار.
أي: الواقعة بعد لام الجَرِّ سواءً كانت للتَّعليل أو للعاقبة أو للتَّوكيد أو للتَّعدِيَة، يعني: مُطلقاً، كل لام جرٍ بقطع النَّظر عن معناها، حينئذٍ يَجوز فيه الوجهان.
أي: الواقعة بعد لام الجَرِّ سواءً كانت للتَّعليل، نَحو: ((لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ)) [النساء:165] هذا سبق فيما سبق، (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) [الحديد:29] كذلك سبق، أو للعاقبة نَحو: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً)) [القصص:8] اللام هذه تُسمَّى ماذا؟ لام العاقبة، وهي لام الصَّيْرورة أيضاً،
وضابطها: أنَّ ما قبلها ليس عِلَّةً لِمَا بعدها، وإنَّما وقع ما بعدها اتفاقاً، بِخلاف لام التَّعليل، لام التَّعليل ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، وما بعده مُسَبَّبٌ عَمَّا قبلها، العِلَّة واضح معناها: أن يكون ما قبلها عِلَّة لِمَا بعدها، وما بعدها مُسبَّبٌ عَمَّا قبلها، بِخلاف لام الصَّيْرورة والعاقبة، وضابطها: أنَّ ما قبلها ليس عِلَّةً لِمَا بعدها، وإنَّما وقع اتفاقاً.
وكل لام تعليل في القرآن فهي لام صيرورةٍ وعاقبة عند الأشاعرة، لا يوجد لام تعليل البَتَّة في أسماء الله وصفاته مُطلقاً، في أفعاله والأحكام الشَّرعيَّة والكّونيَّة، وهذا بناءً على مذهبهم.
إذاً: أو للعاقبة نَحو: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً)) [القصص:8] أو للتَّوكيد، وهي الآتية بعد فِعلٍِ متعدٍ، نَحو: ((وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:71] ومِثلُها: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)) [الأحزاب:33] (لِيُذْهِبَ) هذه وقعت بعد فعلٍ متعدي: (إِنَّمَا يُرِيدُ) هذا مُتعدِّي بنفسه (لِيُذْهِبَ) نقول: هذه اللام وقعت بعد فعل مُتعدِّي، وهذه تفيد التَّوكِيد، يعني: كأنها زائدة.
أو للتَّعديَّة، نَحو: أعددت زيداً ليقاتل، إذاً: كل لام جَرٍّ وقع بعدها فعلٌ مضارع منصوب، حينئذٍ ننظر فيه: هل بعدها (لا) أو سبقت بما كان ولم يكن، حينئذٍ إذا وقع بعدها (لاَ) فوجب إظهار (أنْ)، إذا سبقها ما كان ولم يكن حينئذٍ هي لام الجحود وجب إضمار (أنْ)، إذا لم يكن ذلك ولا ذاك حينئذٍ جاز فيه الوجهان.
ولذلك قال: (وَإِنْ عُدِمْ) يعني: (لاَ) التي بعد (أنْ)
لاَ فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهَِرَاً أَوْ مُضْمِرَاً ... وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا
يعني: تقع (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار إذا سُبِقَت اللام بما كان أولم يكن، وإن كان النَّاظِم هنا عَمَّم: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) وهو ما كان أو لم يكن، و (كَانَ) هنا عَبَّر بها بالماضي، وهي أعَمُّ من الماضي، لأن لام الجحود تقع بعد ما كان ولم يكن، دخل في قوله: (نَفْيِ كَانَ) نَحو: لم يكن، أي: المضارع المنفي لـ: (لم) وفُهِم من النَّظم قصر ذلك على (كَانَ) خلافاً لمن أجازه في أخواتها، يعني: (كَانَ) طيب! وأخوات (كَانَ)؟