النَّاظِم هنا خَصَّ الحكم بـ: (كَانَ)، إذاً: أخوات (كَانَ) لا يشملها الحكم، فمن باب أولى أنَّ (ظَنَّ) وأخواتها لا يشملها الحكم كذلك، فلو وقعت اللام بعد (أصبح) وهي مَنفيَّة، لا نقول: هذه لام الجحود، أو بعد (ظَنَّ) وأخواتها وهي منفية لا نقول: هذه لام الجحود، بل الحكم خاص بـ: (كَانَ).

إذاً: فهم من النَّظم قصر ذلك على (كَانَ) خلافاً لمن أجازه في أخواتها قياساً، ولمن أجازه في (ظَنَنْت) نَحو: ما أصبح زيدٌ ليضربَ عمراً، اللام هذه وقعت بعد: ما أصبح، وهي من أخوات (كَانَ) هل الحكم يَعمُّها؟ الجواب: لا، ولم يصبح زيدٌ ليضرب عمراً .. لم يكن مثلها، وما ظننت زيداً ليضرب عمراً، وما أظن زيداً ليضرب عمراً، قال أبو حَيَّان: " وهذا كُلُّه تركيبٌ لم يُسمَع فوجب منعه " وجب منعه .. لا قياس، إنما سُمِع: ما كان ولم يكن.

(وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) حينئذٍ نقول: بعد نفي (كَانَ) فقط دون أخواتها، ولم يكن فقط، حينئذٍ نقيس عليها ليس قياساً وإنما هو سَمَاعاً، لأنه جاء قوله: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) [العنكبوت:40] (لِيَظْلِمَهُمْ) نقول: هذه اللام لام الجحود، وهي لام النَّفْي كما سيأتي، وكذلك: ((لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)) [النساء:137] نقول: (يَغْفِرَ) هذا فعلٌ مضارع منصوب بـ: (أنْ) مُضْمَرة وجوباً لوقوعها بعد اللام، ونقول: هذه اللام لام الجحود، لأنها سبقت بـ: لم يكن.

كذلك: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) [العنكبوت:40] (يَظْلِمَهُمْ) فعل مضارع منصوب بـ: (أنْ) مُضْمَرة وجوباً لوقوعها بعد اللام، وهذه اللام لام الجحود، والذي دَلَّ على ذلك وقوعها بعد: ما كان.

إذاً: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا) (أُضْمِرَا) الفاعل ضمير مستتر، (أُضْمِرَا) ما هو الذي أضمر؟ أضمر (أنْ) بعد اللام إذا وقعت بعد نفي (كَانَ)، (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) يعني: بعد اللام التي بعد نفي (كَانَ)، (حَتْمَاً أُضْمِرَا) أضمر حتماً (حَتْمَاً) هذا حالٌ من فاعل (أُضْمِرَا) وهي لام الجحود، وسَمَّاها النَّحاس لام النفي، وهو مراد النَّحاة، مراد النحاة لام النفي، لماذا؟ لأنهم لا يعنون الجحود الذي هو أخَصُّ من مُطلق النَّفْي.

ولام الجحود من باب تَسْمِية العام بالخاص، يعني: الجحود أخص من مُطلق النَّفي، لأن النفي هذا نَفْي كاسْمه، الجحود: نفيٌ لكنَّه أخَص، لماذا؟ لأنه ينفي شيئاً يعلمه، والنفي أعم قد يَنفي شيئاً يعلمه وقد يَنفي شيئاً لا يعلمه.

إذاً: لأن الجحود إنكار الحَقِّ لا مُطلق النَّفي، والنحويون أطلقوا لام الجحود وأرادوا الثَّاني، إذاً: من أطلاق الخاص مراداً به العام، وحينئذٍ تَسمية ابن النَّحَاس أو النَّحَاس لام النفي لا إشكال فيها، والتي قبلها تُسمَّى: لام كي، لأنها للسبب كما أنَّ (كَيْ) للسبب، وحكمها الكسر وفتحها لغة تَميم.

إذاً: ذكر في هذين البيتين ثلاثة أنواع للام مع حكم النون بعدها، وحاصل كلامه: أنَّ لـ: (أنْ) بعد اللام ثلاثة أحوال:

- وجوب إظهارها مع المقرون بـ: (لاَ) كراهة اجتماع اللامين.

- ووجوب إضمارها بعد نفي (كَانَ).

- وجواز الأمرين فيما عدا ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015