وأجاز بَعضهم الفَصْل بالنداء والدعاء: إذن يا زيدٌ أكرمك، بالنَّصب مع كونه فاصلاً هنا بين (إِذَنْ) والفعل المضارع، لكنَّه وقع بالدعاء، لكثرته في لسان العرب، والصواب: أنَّه إن وَرَدَ سَماعاً فعلى العين والرأس، وإلا فالأصل عدم القياس، فكذلك الدعاء: إذن غفر الله لك أكرمَك .. سأزورك إذن أكرمَك .. إذن غفر الله لك، هذه جملة خبرية لفظاً، إنشائيةٌ معنىً، دعاءٌ له بالمغفرة.

وابن عصفور أجاز الفصل بالظرف، لأنه يُتوسَّع في المجرورات والظروف ما لا يُتوسَّع في غيرها، وأجاز الكِسَائي وهشام الفصل بِمعمول الفعل، والاختيار حينئذٍ عند الكِسَائي النَّصب، وعند هشام الرَّفع، الصواب أنه يُقال: لا فَصْلَ إلا بِمسموعٍ إن سُمِعَ كالقسم يفصل وإلا فالأصل المنع، لأن العامل يُشْتَرط فيه أن يكون مُتَّصِلاً بِمعموله، وهنا ليس الشأن في الفعل، الفعل أصلٌ في العمل، وأمَّا الحروف فلا، فهي ضعيفة.

إذاً: بهذه الشُّروط الثلاثة حينئذٍ نقول: هل يَجب النَّصب، أو يَجوز؟ الظَّاهر أنَّه يَجب، وأمَّا لغة بعضهم مع استيفاء الشُّروط هذه لغةٌ خَاصَّة، أمَّا من نَصَبَ بها فيجب إذا استوفت الشُّروط أن يُنْصَبَ بها، وأمَّا من ألغاها مع استيفاء الشُّروط أولاً: هي لغة قليلة حكاها سيبويه وعيسى ابن عمر.

وثانياً: هذا في لغته، وسبق بالأمس: أنَّ الاختلاف بين اللغات اختلاف تَنوع، حينئذٍ قد يَجب النَّصب في لغة كذا، ولا يَجب في كذا، ولذلك نقول: البناء والإعراب ضِدَّان، وسبق أنَّ (حذامِ) مبنيةٌ عند الحجازيين، معربة عِند بني تميم .. عند أكثرهم، وهذا تضاد .. تناقض، لو حملناه في لغةٍ واحدة، قلنا: عند الحجازيين مبنية معربة صار تناقضاً، وأمَّا باعتبار لغتين فلا إشكال، إذاً: هي مبنيَّةٌ عند الحجازيين ولا يَجوز أن تُعرب .. إذا كان حجازي يَتكلَّم بلغته فلا يَجوز أن يُعرب (حَذَامِِ) إلا إذا قال: أنا أرجع إلى لغة تميم، وكذلك التميمي.

حينئذٍ نقول: هاتان لغتان في كل لغةٍ يَجب التزام ما هو عليه، فلا يَتكلَّم بلسان الحجازيين فيُعرب (حَذَامِ) ولا يَتكلَّم بلسان التميميين فيبني (حَذَامِ) حينئذٍ نقول: هذا تعارض.

هنا كذلك: إذا اسْتَوْفَت الشُّروط عند من ينصبها وجب النَّصب في لغته ولا يجوز الرَّفْع، ومن لم ينصب بها حينئذٍ لا إشكال استوفت الشُّروط أو لم تَسْتَوفِ الشُّروط، فإذا استوفت الشُّروط هي غير ناصبة، فمن باب أولى إذا لم تَسْتَوف.

. . . . . . . . . وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا

هذا استثناء من قوله: (إِنْ صُدِّرَتْ) إن وقع قبلها الواو أو الفاء، هل تخرجها عن كونها مُصدَّرة أم لا؟ النَّاظِم هنا جَوَّز لَمَّا سبق (إِذَنْ) الواو والفاء .. جَوَّز لك الوجهين، (وَانْصِبْ وَارْفَعَا) وارفعنْ، أكَدَّ لك الرَّفْع بالنون المُخفَّفَة فدل على أنَّه أرجح، دائماً هو إذا قَدَّم فما قَدَّمه هو أرجح، ولكن هنا آخَّرَ الرَّفْع وهو أرجح، لكنَّه عَوَّضَك عن التَقديِم بالتأكيد وقال: (وَانْصِبْ وَارْفَعَاً) إذاً: الثَّاني مؤكَّد والأول مُقدَّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015