إذاً: هل المُقدَّم مُقدَّم؟ لا، نقول: هنا المؤخَّر مُقدَّم بدليل توكيده بالنون الخفيفة، (وَانْصِبْ وَارْفَعَا) إذاً: يَجوز فيه الوجهان، وإنما جاز النَّصْب والرَّفْع إذا تَقدَّمت عليه الواو، لو قال له: سأزورك، تقول له: وإذَنْ أكرمَك، أتى بالواو: فإذاًَ أكرمَك، أتى بالفاء، حينئذٍ يَجوز الوجهان، فإذاً: أكرمُك بالرَّفْع، وإذاً: أكرمَك بالنَّصب .. وإذَن .. فإذَنْ، مع الواو والفاء نقول: يجوز فيه الوجهان، لم جاز الوجهان؟
وإنما جاز النَّصْب والرَّفْع لأنك عَطَفَت جملةً مُستقلة على جُملةٍ مُستقلة، فمن حيث كون (إِذَنْ) في ابتداء جملة مستقلة هو مُتصدِّر، فيجوز انتصاب الفعل بعده، ومن حيث كون ما بعد العاطف من تمام ما قبله بسبب ربط حرف العطف بعض الكلام ببعض هو مُتوسِّط، وإلغاؤها أجْوَد، لأنها غير مُتصدِّرة في الظَّاهر، يعني يقول لك: إذا قلت: وإذَنْ أكرمُك، لك نظران:
إمَّا أن تنظر إلى (إِذَنْ) وهي مسبوقة بالواو فهي غير مُتصدِّرة فترفعها، وإمَّا أن تنظر إلى حرف العطف فقط، فتقول: هنا عطف جملة على جملة، وما بعد حرف العطف فهو مُتصدِّر في تلك الجملة المُستقلِّة فيما بعد الحرف، حينئذٍ إذا عطفت جملة مستقلة على جملة مستقلة نظرت إلى العاطف فقط، وكونه ربط بين جملتين، لا نظر لك إلى (إِذَنْ) فصارت (إِذَنْ) حينئذٍ مُتصدِّرة، وإذا نظرت إلى (إِذَنْ) نفسها وكونها مسبوقة بحرف العطف فهي غير مُتصدِّرة، وأيهما أظهر وأقرب إلى الذِّهْن؟
الأقرب أنَّها ليست مُتصدِّرة، لأن الواو ملفوظٌ بها، الأصل أن تقع جواباً: إذَنْ أكرمك، فذا قلت: وإذَنْ، واضح أنَّها معطوفة على ما قبلها. فـ: إذَنْ أكرمَك، لم تقع مُصدَّرة في أول الكلام، ولذلك كان إلغاؤها بهذا الاعتبار أجوَد، لأن القول بأنَّ عطف جملة مستقلة على عطف جملة مستقلة هذا فيه نوع تَكلُّف، ولَمَّا جاء الوجهان تَكلَّفوا ما ذكروه.
إذاً: إلغاؤها أجْوَد، لأنها غير مُتصدِّرة في الظَّاهر، هذا هو الظَّاهر، أنت تلفظ بالواو قبل (إِذَنْ) ونحن اشترطنا أن تكون مُتصدِّرة أول ما تنطق بـ (إِذَنْ) فقط، فإذا قَدَّمت الواو أو الفاء حينئذٍ صارت غير مُتصدِّرة، ويشير إلى رجحانه قوله: (وَارْفَعَا) بنون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفاً.
. . . . . . . . . وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا
(وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق.
قال الشَّارِح هنا: " فلو كان الفعل بعدها حالاً لم ينصب، نَحو أن يُقال: أحبُك، فتقول: إذَنْ أظنُّكَ صادقاً، فيجب رفع أظن، وكذلك يجب رفع الفعل بعدها إن لم تَتَصدَّر، زيدٌ إذَنْ يكرمك، فإن كان المُتقدِّم عليها حرف عَطفٍ جاز في الفعل الرَّفْع والنَّصْب، نَحو: وإذَنْ أكرِمُك بالرَّفْع، وأكرِمَك بالنَّصْب.
وكذلك يجب رفع الفعل بعدها إن فُصِلَ بينها وبينه، نَحو: إذَنْ زيدٌ يكرمُك، ولذلك قرئ في الشاذ: ((وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ)) [الإسراء:76] وكذلك قرئ: ((فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً)) [النساء:53] (لا يُؤْتُوا) بالنَّصب، لكنه هذا في قراءة على الشاذ .. على الإعمال، والغالب الرَّفْع على الإهمال وبه قرأ السَّبْعة.