(أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) (أَوْ) هذا حرف عطف، و (قَبْلَهُ الْيَمِينُ) إمَّا معطوفٌ على (بَعْدُ) و (الْيَمِينُ) فاعل الظَّرْف لاعتماده على المبتدأ، هذا عند المُدَقِّقِين، (قَبْلَهُ الْيَمِينُ) اليمين قبله .. اليمين يكون فاعلاً لأي شيء؟ للظرف (بَعْدُ) وسَبَق أنَّ ابن هشام يرى أنَّ المُحقِّقِين يرون أنَّ الاسم المرفوع بعد الظرف أو الجر والمجرور أن يُعرف فاعلاً بالظَّرْف نفسه، يعني: عندك زيدٌ (زيدٌ) فاعل لـ (عند) في الدار زيدٌ، (زيدٌ) فاعل لقوله: في الدار، لأن العامل .. مُتعلِّق الجار والمجرور والظرف حذف، وفيه ضمير مُستَكِن انتقل إلى الظرف والجار والمجرور.
على كلٍّ: هذا مثله: أو بَعْدُ اليمين، (اليمين) فاعل، والعامل فيه الظرف لاعتماده على المبتدأ، أو مبتدأ مؤخَّر وقَبْلَهُ خبر مُقدَّم، يعني: هذا سهل، (أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) (الْيَمِينُ) مبتدأ مؤخر و (قَبْلَهُ) مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، هذا واضح، أمَّا الأول يحتاج.
(أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) يعني: أن يَفْصِل بينهما اليمين الذي هو القَسَم، لوروده سَمَاعاً:
إِذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بِحْربٍ ... تُشِيبُ الطَّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ
(إِذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ) (نَرْمِيَ) فعل مضارع منصوب، والناصب له هنا (إِذَنْ) وفصل بين العامِل (إِذَنْ) والمعمول (نَرْمِيَ) بالقسم، وهو جائزٌ لأنه مسموع.
إذاً: إذا فصل بينها وبينه بالقسم نَصَبْتَ: إذن والله أكرمك، لأن القَسَم لا يُعتد به فاصلاً، لكثرة الفَصْل بين شيئين مُتلازمين كالمتضايفين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . وَالْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ
أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إذاً: لا يستثنى إلا اليمين .. إلا القسم، وما عداه فالأصل لا بُدَّ من اتصال العامل بالمعمول، لأن (إِذَنْ) عملها فرعي، وإذا كان كذلك حينئذٍ تضعف عند عدم استيفاء الشُّروط.
إذاً: ألا يفصل بينها وبين منصوبها فاصلٌ إلا ما استثناه النَّاظِم، وذلك نَحو أن يُقال: أنا آتيك، فتقول: إذن أكرمَك، فلا يُفصَل إلا بالقسم فقط، وأمَّا بغير القسم فهذا نقول: فيه خلاف، وكذا بـ: (لاَ) النَّافيَّة عند بعضهم، يعني: يفصل بين (إِذَنْ) والفعل المضارع بـ (لاَ) النَّافيَّة، لأن القَسَم تأكيدٌ لربط (إِذَنْ) و (لاَ) لم يُعتَدَّ بها فاصلةً في (أنْ)، فكذا في (إِذَنْ). سَبَق أنَّ (أنْ) إذا فَصَل بينها وبين مدخولها (لاَ) قلنا: لا يُعتدُّ بكونه فاصلاً: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ)) [المائدة:71] بالنَّصْب، حينئذٍ (لاَ) هنا وقعت فاصلةً بين العامل والمعمول، هل هو مؤثِّر في عدم الفصل؟ الجواب: لا، إذاً: مِثلُها (إِذَنْ)، لكن قد يُقَال: القياس فيه نظر، ووجهه: أنَّ (أنْ) هذه أمُّ الباب، وسبق أنَّ أمَّ الباب هذه يُتسامَح فيها ما لا يُتسامح مع غيرها، فإذا وقع فَصْلٌ بـ (لاَ) ومعلوم أنَّ النَّفي إنَّما يكون داخلاً في مفهوم الفعل، حينئذٍ قد يُتَسامَح في (أنْ) وأمَّا (إِذَنْ) فهذا فيه نظر.