إذاً: اشترطنا هذا الشَّرط: كونه مستقبلاً موافقةً للمعنى، يعني: طلباً لموافقة المعنى للعمل، لأن العمل هو النَّصْب والدخول على الفعل المضارع، إجراءً لها مُجرَى سائر النَّواصِب، وإنَّما لم تعمل النَّواصب في الفعل الحال، لأن له تَحققاً في الوجود، كالأسْماء فلا تعمل فيه عوامل الأفعال، يعني: أنَّ (أنْ) تُخلِّص الفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال، فإذا كان كذلك حينئذٍ الحال له تَحقُّق في الوجود .. موجود هذا الأصل، و (أنْ) وأدوات النصب تعمل في شيءٍ لم يوجد بعد: عجبت أن سيقوم، يعني: في المستقبل، مثل السين وسوف.
إذاً: (وَنَصَبُوا بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) فُهِمَ منه أنَّه إذا كان حالاً انتفى، (إِنْ صُدِّرَتْ) هذا الشرط الثاني، الشرط الأول: أن يكون مستقبلاً، فإن كان للحال بَطَل عملها، لأنها لم تستوف الشَّرط.
(إِنْ صُدِّرَتْ) يعني: وقعت صَدراً في أول الكلام، فإن وقعت ثانيةً في حَشْو الكلام أو متأخرةً لا تعمل النصبَ، ويجب حينئذٍ رفع الفعل.
فُهم منه: أنَّها إذا لم تُصدَّر، وذلك إذا تَوسَطَت: زيدٌ إذَنْ أكرمُك، قال: سأزورك وهو اسمه زيد .. زيدٌ قال لك: سأزورك، فتقول: زيدٌ، أو: زيدُ إذَنْ أكرمُك، توسطت هنا، حينئذٍ نقول: الفعل يجب أن يكون مرفوعاً بعده لعدم استيفاء الشَّرط.
(إِنْ صُدِّرَتْ) أن تكون مُصدَّرة، أي: في جملتها بحيث لا يسبقها شيءٌ له تَعلُّقٌ بما بعدها، وإنما لم تعمل غير مُصدَّرة لضعفها بعدم تصدرها عن العمل، لأنها تقع جواباً كما قلنا في المعنى، وإذا كانت جواباً حينئذٍ لا بُدَّ أن تكون في أول الكلام، فإذا لم تكن كذلك ضَعُفَت، لأننا إذا اشترطنا الشيء تَخلُّفه يدلُّ على ضعفه، حينئذٍ ضَعُفَت فبطل عملها.
ألا تكون مُصدَّرة، فإن تأخَّرَت نَحو: أكرمُك إذَنْ .. أهمِلت، وكذا إن وقَعَت حْشواً، كقوله: (وأَمْكَنَنِي فِيْها إِذَنْ لاَ أُقِيلُها) نقول: هنا وقعت حَشْواً، حينئذٍ بَطَلَ عملها، (إِنْ صُدِّرَتْ) يعني: وقعت في أول الكلام، فإن وقعت حَشواً أثناء الكلام أو متأخرةً بطل عملها لضعفها.
(وَالْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ) (وَالْفِعْلُ) مبتدأ، (بَعْدُ) هذا مُتعلِّق بِمحذوف خبر، (مُوصَلاَ) حال من الضمير المستتر في الخبر، والفعل كائنٌ بعدها موصلاً، هذا تقدير الكلام، (وَالْفِعْلُ) مبتدأ (كائنٌ) خبرها (بَعْدُ) بعدها، حذف هنا الضمير ونوى معناه: بعدها، فبنيت (بَعْدُ) على الضَمِّ، (مُوصَلاَ) بِها، يعني: مُتَّصلاً بها، لا يفصل بينها وبينه فاصل، لأنها عَمِلَت بالفَرْعيَّة، وإذا عملت بالفرعيَّة حينئذٍ يشترط في معمولها أن يكون مُتَّصلاً بها، إلا ما سُمِع في لسان العرب.
(أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) يعني: يجوز الفَصْل بينها وبين معمولها، باليمين يعني: بالقَسْم، لأنه سُمِع، وما لم يُسمع لا يقاس على ما سُمِع، لأن القَسَم هذا له معاملة خَاصَّة.