(وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ) (الَّتِي) هذا اسمٌ موصول مبتدأ، وقوله: (مِنْ بَعْدِ ظَنّ) (مِنْ بَعْدِ) جار ومجرور مُتعلِّق بِمحذوف صلة الموصول و (بَعْدِ) مضاف، و (ظَنّ) هذا مصدر مضافٌ إليه، ونحوه من أفعال الرُّجْحَان، ليس المقصود (ظن) بل (ظَنّ) إذا أريد بها اليقين دخلت في الأول، وإذا أريد بها الرُّجْحَان صارت في الثاني، إذاً: يَحتمل اللفظ، والمراد ما يَدلُّ على اليقين، يعني: ما يُستَعمل باليقين إمَّا أصَالةً وإمَّا فرعاً، كـ: (ظَنَّ) وأخواتها، قد يستعمل بعضها في اليقين.

(فَانْصِبْ بِهَا) (وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ، لأنه نُزِّل مُنَزَّلة الشَّرط، لأن المبتدأ إذا كان اسْماً موصولاً أو ما فيه معنى العموم جاز، ولا يَجب أن يدخل على الخبر الفاء، لأن شُبِّه بالشَّرط.

(فَانْصِبْ) الجملة هذه في محل رفع خبر المبتدأ (الَّتِي)، (فَانْصِبْ بِهَا) يعني: بـ: (أنْ) التي وقعت ظَن، فانصب بها المضارع إن شئت، ليس الأمر هنا للوجوب، لأنه قال: (وَالرَّفْعَ صَحِّحْ) فدل على أنَّ النَّصب هنا ليس بواجب.

(فَانْصِبْ بِهَا) إن شئت المضارع على أنَّها النَّاصِبة له، حينئذٍ تكون مَصدريَّة، لكن ليست متَعيِّنة، وصَحِّحْ الرَّفع (الرَّفْعَ صَحِّحْ) قَدَّم المفعول هنا على (صَحِّحْ)، (وَاعْتَقِدْ) حينئذٍ (تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) يعني: إذا رَفَعْت حينئذٍ اعْتَقِد تَخفِيفها من (أنَّ) الثقيلة.

وقد قرئ بالوجهين: (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ) (أَلَّا تَكُونَ .. أَلَّا تَكُونُ) إذا قرأت: (أَلاَّ تَكُونُ) حينئذٍ (أنْ) مُخفَّفة من الثَّقيلة، وإذا قرأت: (أَلاَّ تَكُونَ) حينئذٍ (أنْ) ناصبةٌ بنفسها، ولذلك السِّيُوطِي قال: " {إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتْ} يدخل فيه كثير من مسائل النَّحْو " وهنا ليس فرق إلا النِّيَة، لأنك تلفظ وتَنوِّ، تلفظ بالرَّفع: (أَلاَّ تَكُونُ .. أَلاَّ تَكُونَ) حينئذٍ إذا لفظت بالرَّفْع نَوَيِّت أنَّ (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة، وهي (أنْ) في اللفظ واحدة، ويجوز الفّصْل بين (أنْ) المصْدريَّة ومدخولها بـ: (لاَ) النَّافيَّة هذا سائغ.

ولذلك نصب: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ)) [المائدة:71] نفس الموضع في النَّصْب فصل بين (أنْ) المصْدريَّة ومدخولها.

إذاً: قرئ بالوجهين: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71] قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكِسَائي برفع (تَكُونُ) والباقون بالنَّصب، والنَّصب أرجح عند عدم الفصل بينها وبين الفعل، ولهذا اتفقوا في قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2].

(فَهْوَ مُطَّرِدْ) يعني: الرَّفع أو جواز الوجهين، (مُطَّرِدٌ) يعني: مَقيسٌ في ما ورد في لسان العرب.

هنا قال: " وأشار بقوله: (لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) إلى أنَّه إن وقعت (أنْ) بعد عِلْمٍ ونحوه مِمَّا يدلُّ على اليقين وجب رفع الفعل بعدها، فتكون حينئذٍ مُخفَّفَة من الثقيلة " ومنه الآية التي ذكرناها: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:20] و: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)) [طه:89] نحو: عَلِمْت أن يَقوم، ومنه قول الشَّاعر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015