عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُوْنَ فَجَادُوا ... قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ
قال: (عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُوْنَ) أبقى (يُؤَمَّلُوْنَ) ثبوت النون هنا، و (أنْ) هذه مُخفَّفة من الثقيلة لأنها سبقت بِعلْمٍ وهو نَصٌّ في العِلْم، والتَّقدير هنا: أنْه يقوموا، فخُفِّفَت (أنَّ) وحذف اسْمها وبقي خبرها، لكن الظَّاهِر في مثل هذا التَّركيب ألا يُقدَّر الضمير مع المُثقَّلة، وهذا في ظنَِي أنَّه ليس بصواب، لا تُقدِّر مع المثَقَّلة (أنَّه سيكون) لا، (أنْه) بالتَّخفِيف، لأنه لا يكون الضَّميِر اسم (أنْ) إلا بعد الحذف .. بعد التَّخْفِيف، حينئذٍ نقول: (وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ) نحكم على الضمير بكونه ضمير الشأن بعد الحذف، أمَّا نقول: أنَّه، هذا الأصل، فخُفِّفَت وحذف اسْمها؟! لا، ليس الأمر كذلك، بل خُفِّفَت فتَعيَّن أن يكون اسْمها ضمير الشأن ولا يذكر معه، هذا الأصل.
والتقدير هنا تقدير لِمَا هو واجب الحذف، فالأصل أنَّه ما يُلفظ، لكن من باب التَّعليم فقط: أنْه سيقوم .. أنْه سيكون، فتقدير الاسم مع (أنَّ) المثَقَّلَة هذا الظَّاهر أنَّه خطأ ليس بصواب: أنَّه سَيَقوم .. أنَّه يقوم، فخُفِّفَت (أنَّ) وحذف اسْمها، هذا فيه نظر، وبقي خبرها: وهذه غَيْرُ النَّاصِبة للمضارع، لأنَّ هذه ثنائيةٌ لفظاً .. ثلاثيةٌ وضعاً، (ثنائيةٌ لفظاً) يعني: مُخفَّفَة من الثَّقِيلة.
وأمَّا في الوضع فهي ثلاثة أحرف: (أنَّ) هذا الأصل، ثُم خُفِّفَت والتَّخفِيف فرعٌ عن الأصل، والعبرة في الوضع إنما يكون بالأصل لا بالفرع، وتلك ثنائيةٌ لفظاً ووضعاً، ما هي تلك؟ النَّاصبة، (أنْ) المصدريَّة ثنائية، يعني: موضوعة على حرفين في اللفظ وفي الوضع، إذاً: لا خلاف.
وإن وقعت بعد ظنٍ ونحوه مِمَّا يَدلُّ على الرجحان جاز في الفعل بعدها وجهان، ويُشترط لكونها مَصدريَّة - إذا جعلناها مَصدريَّة بعد الرجحان - ويُشترط لكونها مَصدريَّة ناصبةً للمضارع بعد ما يفيد الظن: ألا يُفصل بين (أنْ) والمضارع بِفاصلٍ غير لا، فإن فُصِل بينهما نحو: ظَنَنْت أنْ سيقوم، هنا (أنْ) تَقدَّم عليها ما يفيد الظن، لكن فُصِل بين (أنْ) والمضارع بالسِّين لم تكن مَصدريَّة، يَتَعيَّن أن تكون مُخفَّفة من الثَّقِيلة.
إذاً: ليس كل (أنْ) تَقدَّم عليها ما يدل على الظَّن فهي جائزة الوجهين، بل لا بُدَّ أن يُقيَّد بألا يَفصِل بين (أنْ) ومدخولها الفعل بغير لا، كـ: السين وسوف. لأنه لا يُفصَل بين المَصدريَّة ومنصوبها، وتَعيَّن حينئذٍ أن تكون مُخفَّفَة من الثقيلة، وأمَّا الفَصْل بـ: (لاَ) فجائزٌ، ولهذا احْتَمل الوجهين قوله: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71].