(وَاعْتَقِدْ تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) متى؟ إذا رَفَعْت: (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ) بالرَّفع، حينئذٍ إذا صَحَّحْت الرَّفع اعتقد حينئذٍ .. حين إذ رَفَعْت ما بعدها (تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) الثقيلة، حينئذٍ يكون اسمها ضمير الشأن محذوفاً: (وَحَسِبُوا أنْه لا يكُونُ فِتْنَةٌ) و (لا يكون) حينئذٍ نقول: الرَّفع واجب إذا جعلناها مُخفَّفَة من الثقيلة، والفَاصِل واجب، وفصل هنا بـ: (لاَ) وهو من الفواصل السابقة التي ذكرناها.
(فَهْوَ مُطَّرِدْ) ما هو (فَهْوَ)؟ يعني: الرَّفع أو جواز الوجهين، يَحتمل هذا ويَحتمل ذاك، فَهْوَ مُطَّرِدْ الرفع أو جواز الوجهين كلٌ منهما سَائغٌ في لسان العرب، وجاء به القرآن.
إذاً: إذا لم يكن قبل (أنْ) .. لم يسبقها عِلمٌ ولا ظن، حينئذٍ نقول: يتَعيَّن أنْ تكون ناصبة: ((يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)) [النساء:28] (يُخَفِّفَ) سبقته (أنْ) ولم يَتقدَّم عليها علمٌ ولا ظن فهي ناصبة قولاً واحداً، هي المَصدريَّة وهي النَّاصبة وهي أمُّ الباب كما سيأتي بعض الاستثناءات، وإذا تَقدَّمها ما يدلُّ ويفيد العِلْم حينئذٍ هي مُخفَّفَة من الثقيلة قولاً واحداً، ويَجب في الفعل الذي يليها أمران: رفعه، والثاني: فَصْلُه على ما تَقرَّرَ في بابه.
وإذا تَقدَّم عليها ما يَدلُّ ويفيد الظَّنَّ حينئذٍ جاز فيه وجهان: الرَّفْع والنَّصْب، والنَّصْب أرجح، لأنه أكثر في لسان العرب، وهو المستعمل، وكذلك القياس يقتضيه.
إذاً: (كَذَا بِأَنْ) إذاً: (أنْ) هذه هي أمُّ الباب، لأنها ظاهرة ومُقدَّرة، وإنما أخَّرَها عن (لَنْ) و (كَي) لطول الكلام عنهما، ويُقال فيها: (عَنْ) .. (أنْ) يُقال فيها: (عَنْ) بإبدال الهمزة عيناً، فتقول: عَنْ يَضْرِب .. أرَدْتُ عَنْ أضْرِب، هذا تأتي به لغز! عَنْ أضْرِب أين مَجرور (عَنْ)؟ ليس لها مجرور، هذه (عَنْ) هي (أنْ) قلبت الهمزة عَيناً.
(كَذَا بِأَنْ لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) ونحوه مِمَّا يدلُّ على اليقين، فإنها لا تنصبه إذا وقَعَت بعد ما يدل على العِلْم لأنَّها حينئذٍ مُخفَّفَة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن، نَحو: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)) [المزمل:20] ومِثْلُه: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)) [طه:89] أي: (أَنْه سَيَكُونُ) و (أنْه لا يَرْجِعُ).
وأمَّا قراءة بعضهم: (أَلاَّ يَرْجِعَ) بالنَّصْب وقوله:
. . . . . . . . . . . قَدْ عَلِمْوَا ... أن لاَ يُدَانيَنَا مِنْ خَلقِهِ بَشَرُ
فمِمَّا شَذَّ، يعني: إذا وقعت بعد العِلْم، فإذا نصب حينئذٍ نَقول: هذا شَاذٌ، يُحفظ ولا يُقاس عليه، إلا إذا أوِّل بغيره فجاز وقوع النَّاصبة بعده، وإلا الأصل أن النَّاصبة لا تقع بعد العِلْم، وهذا في استقراء كلام العرب.