وقلنا هناك: أنَّ (أَيًّا) بجميع أحوالها لا تكون مبنيَّةً إلا في بعض الأحوال، وسبب ذلك أنَّها مُلازمةٌ للإضافة، والإضافة من خصائص الأسماء، إذاً: ضَعُفَ الشَّبه:
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي ..
هنا كذلك: قد يوجد الشَّبه بالفعل لكنَّه ليس قوياً، متى؟ إذا دخل على الاسم الذي وجِد فيه علَّتان دخل عليه ما هو من خصائص الأسماء، وهو (أَلْ) و (الإضافة) حينئذٍ يردُّه إلى أصله وهو الجرُّ بالكسرة، ولذلك الصواب: أنَّه مصروف، لأنَّه دخل عليه ما هو من خصائصه.
ويُجَرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة إن لم يُضَفْ، أو لم تدخل عليه (أَلْ): (مَرَرْتُ بأَحْمَدَ) الباء حرف جر، و (أَحْمَدْ) هذا اسمٌ ممنوع الصَّرف مجرورٌ بالباء، وجرُّه فتحة ظاهرةٌ على آخره نيابةً عن الكسرة، لأنَّه ممنوع من الصَّرف للعلميَّة ووزن الفعل، إذاً: وجِد فيه عِلَّتان.
فإن أضِيف أو دخلت عليه (أَلْ) ضعُف شبهه بالفعل فَجُرَّ بالكسرة على الأصل، فتقول: مَرَرْتُ بأَحْمَدِكُمْ وبالأحْمَدِ (بأَحْمَدِكُمْ) من باب المثال فقط وإلا الاسم لا يُضَاف أو (بالأحْمَدِ) كذلك (أَلْ) لا تدخل على الأعلام.
وإنَّما يُمْنَع الاسم من الصَّرف إذا وجِد فيه علَّتان من عِلَلٍ تسعٍ، أو واحدةٌ منها تقوم مقام العلَّتين، والعلل التِّسع يجمعها قوله:
عَدْلٌ وَوَصْفٌ وتَأْنِيثٌ ومَعْرِفَةٌ ... وعُجْمَةٌ ثٌمَّ جَمْعٌ ثُمَّ تَرْكِيبُ
وَالنُّونُ زَائِدَةٌ مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ ... وَوَزْنُ فِعْلٍ وهَذَا القَولُ تَقْرِيْبُ
والأحسن من هذا البيت المشهور:
اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ
هذه كلُّها عِلل: منها ما هو راجعٌ إلى اللفظ، ومنها ما هو راجعٌ إلى المعنى.
الذي يرجع إلى المعنى علَّتان فقط: العلميَّة والوصفية، هاتان عِلَّتان معنويَّتان: الأولى (الوصفية) والثانية (العلميَّة) وكلٌّ منهما فرع، وجه فرعيَّة (الوصفية) أنَّ الوصف مُفتقرٌ إلى موصوف، إذا كان كذلك صار الموصوف أصلاً والوصف فرعاً، مثل القول في الفعل لكونه مُفتقراً إلى اسمٍ .. إلى محدثٍ .. إلى فاعل، والفاعل لا يكون إلا اسْماً، إذا قلت: هذا صفة حينئذٍ يستلزم أن يكون له موصوف، فكل صفة مُفتقِرة إلى موصوفٍ، أين يظهر أثرها .. أين يَتعلَّق هذا المعنى .. بماذا يَرتبط؟ لا بُدَّ له من موصوفٍ يكون مُتعلِّقاً بهذه الصفة.
إذاً: الصِّفة مفتقرة إلى موصوف فصارت (الوصفية) فرعاً بهذا الاعتبار، فهي معنىً من المعاني، و (العلميَّة) كذلك فرع، لأنَّ العَلَم معرفة، والأصل في الاسم: التَّنْكِير، إذاً: إذا وجِد الاسم معرفةً، نقول: هذا فرعٌ عن أصلٍ وهو كونه نكرة.
إذاً: هاتان علَّتان ترجعان إلى المعنى، وأمَّا كون العدل فرعاً فلأنَّ العدل خلاف الأصل، وسيأتي أنَّه: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، مثاله: عُمَرْ (عُمَرْ) هذا معدولٌ عن (عَامِرْ) الأصل: (عَامِرْ) و (عُمَرْ) معدول، إذاً: أيُّهما أصلٌ وأيُّهما فرع؟ لا شك أن (عَامِرْ) المعدول عنه هو أصل، و (عُمَرْ) المعدول هذا فرع، إذاً صار العدل فرعاً من هذه الحيثيَّة.