إذاً: وجد في كل فعل، كل فعل تحكم عليه بأنَّه فرع من حيث اللفظ، لماذا؟ لأنَّ (ضَرَبَ) هذا فرعٌ، أصله: الضَّرب، (يَضْرِبُ) هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، (اضْرِب): هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، إذاً: صَار المصدر وهو الاسم أصْلاً، والفعل بسائر أنواعه فرعاً، إذاً: وجِد في الفعل ما يدل على أنَّه فرعٌ عن الاسم، وهذه تؤخذ بالمادة كما سبق، أي: بالحروف، هذا عند البصريين القائلين: بأن أصل الاشتقاق هو المصدر، وأمَّا عند الكوفيين القائلين: بأنَّ أصل الاشتقاق هو الفعل والمصدر فرع، حينئذٍ لا بُدَّ من عِلَّة لفظية أخرى حتى يُعلَّق بها الحكم.
قالوا: كون الفعل مركَّباً من الحدث والزمن، وكل فعلٍ دالٌّ على حدثٍ وزمن (ضَرَبَ) دالٌّ على الضَّرْبِ في زمنٍ مضى، و (يَضْرِبْ) دالٌّ على حدثٍ وهو الضَّرْبْ في زمنٍ حال، و (اضْرِبْ) كذلك في المستقبل.
إذاًَ: هو مركَّب، والمصدر؟ بسيط يعني: يدلُّ على شيءٍ واحد وهو الحَدَث، ومَعلومٌ أنَّ المركَّب فرعٌ عن البسيط، إذاً: الفعل فرعٌ عن المصدر، لكن الفرعيَّة هنا من حيث ماذا؟ لا من حيث الاشتقاق كما قال البصريُّون وإنَّما من حيث كونه مُركَّباً من حدثٍ وزمن، يَرِد الاعتراض: بأنَّه كيف يقال - نَحن نَتكلَّم في العلَّة اللفظية لا المعنويَّة - والحدث والزمن كيف يكون دلالة الفعل عليهما باللفظ؟ هذا جوابه سهل ومَعلومٌ مِمَّا سبق: وهو أنَّ الفعل يدل على المصدر بالمادة، يعني: الحروف، ويدلُّ على الزمن بالصيغة، وهاتان معلومتان من اللفظ تقرأ: ضَرَبَ، تَعْلَم أنَّه على وزن (فَعَلَ) و (فَعَلَ) هذا خاصٌ بالفعل الماضي.
إذاً: دَلَّ على الزمن الماضي بصيغته، وهذه معلومة من اللفظ لا من جهة المعنى، وكذلك الحدث الذي هو (الضَّرْب) دالٌ عليه: ضَرَبَ، ويَضْرِبُ، واضْرِبْ من جهة المادة التي هي الحروف.
إذاً: مذهب الكوفيين مستقيم من هذه الحيثيَّة، لا من حيثيَّة كون المصدر أصلاً والفعل فرعاً، لأن هذا لا يقولون به، وإنَّما ذهبوا إلى التَّعليل السابق، لأنَّهم يَنْفُون ما ذهب إليه البصريُّون.
إذاً: العلَّة اللفظية الفرعية الموجودة في الفعل دلَّ عليها الفعل بنفسه بذاته بلفظه، وهو كونه فرعاً عن المصدر مشتقاً من المصدر، وهذا ما علَّلَ به البصريُّون، وكونه دالَّاً على حدثٍ وزمنٍ وهو ما علَّل به الكوفيُّون، ووجه التَّعليل هنا في الثاني: أنَّ الفعل دالٌّ على حدثٍ وزمن وهو مركَّب، والمصدر بسيط دالٌّ على شيءٍ واحد وهو الحدث ولا يدلُّ على الزَّمن، هذا من جهة اللفظ.
وأمَّا من جهة المعنى فاتَّفق الفريقان على أنَّ كُل فعلٍ لا بُدَّ له من فاعل، لأنَّه حدث وكل حدثٍ وقع أو سيقع لا بُدَّ له من مُحدِث، والمُحدِث هو الفاعل في اصطلاح النُّحاة، والفاعل في اصطلاح النُّحاة لا يكون إلا اسماً، إذاً: ثبت من جهة المعنى أنَّ الفعل فرعٌ عن الاسم.