هذه أربعة، المعنيُّ به هنا في هذا المقام هو تنوين الصَّرف الذي يُسمَّى: تنوين التَّمكُّن، وتنوين التَّمكين، وتنوين الأمكنيَّة، فهي أربعة أسماء والمسمَّى واحد، وهو اللاحق للأسماء المُعرَبة المنصرِفة، فرقاً بين كون الاسم مُنصرِفاً وبين كونه غير منصرف، فَمَا دخل عليه التَّنوين فهو مصروف، وما لم يدخل عليه التَّنوين فهو ممنوع من الصَّرف.
قلنا: هذا التَّنوين فائدته: يَدلُّ على تَمكُّن الاسم في باب الإعراب، وهو المعنى الذي عناه (أَتَى مُبَيِّناً مَعْنَىً) ما هو هذا المعنى؟ تَمكُّن الاسم في باب الإعراب قالوا: بحيث إنَّه لم يشبه الحرف فيُبْنى ولا الفعل فيمنع من الصَّرف، لأنَّ الاسم له ثلاثة أحوال:
- اسمٌ أشبه الحرف.
- واسمٌ أشبه الفعل.
- واسمٌ لم يشبه الحرف ولا الفعل.
قالوا: ما أشبه الحرف: هو ما وجِد فيه واحدٌ من الأسباب الأربعة التي ذكرناها سابقاً: بأن يوجد شبه في الاسم يُلحِقه بالحرف: إمَّا وضعاً، وإمَّا معنىً، وإمَّا افتقاراً، وإمَّا استعمالاً، فواحدٌ من هذه الأمور تقتضي أن يكون الاسم قد أشبه الحرف شبهاً قوياً والقاعدة عند العرب: أنَّ الشيء إذا أشبه الشيء شبهاً قوياً أخذ حكمه، حينئذٍ حُكِم على الاسم بكونه مبنيَّاً، لماذا؟ لكونه أشبه الحرف.
مثله الكلام يُقال في الممنوع من الصَّرف: إذا أشبه الاسم الفعل، حينئذٍ يأخذ حكمه، في ماذا؟ قالوا: الاسم والفعل يشتركان في الرفع والنصب، إذاً: لا يُمكن أن يأخذ الاسم حكم الفعل، إلا إذا اخْتصَّ الاسم بشيءٍ لم يدخل على الفعل، والذي اخْتصَّ به الفعل من حيث العدم .. عدم الدخول هو التَّنوين والخفض بالكسرة، لأنَّ الفعل لا يُنَوَّن، لأنَّ التَّنوين من خصائص الأسماء، وكذلك الفعل لا يُخفَض، لأن الخفض من علامات وخصائص الأسماء.
فإذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، وما هو حكم الفعل .. هل هو أنَّه لا يرفع؟ لا، هل أنَّه لا ينصب؟ لا، وإنَّما لكونه لا يدخل عليه التَّنوين ولا الخفض، فحينئذٍ يُمنع الاسم من دخول التَّنوين ومن الخفض بالكسرة، متى؟ إذا أشبه الاسم الفعل شبهاً قوياً، ما وجه الشَّبه؟ عرفنا أن وجه الشَّبه في الاسم إذا أشبه الحرف محصورٌ في أربعة، والمراد به: البناء الأصلي لا البناء العارض.
ما وجه الشَّبه بين الاسم والفعل؟ قالوا: الفعل فيه عِلَّتان فرعيَّتان عن الاسم، ما هما هاتان العِلَّتان؟ قالوا: العِلَّة الفرعية التي ترجع إلى اللفظ، والأخرى التي ترجع إلى المعنى، الثانية المعنوية متَّفق عليها بين البصريين والكوفيين، وأمَّا العلَّة الأولى التي هي العِلَّة اللفظية الفرعية، فعند البصريين: أنَّ الفعل مُشتقٌّ من المصدر، ومعلومٌ أنَّ المشتق أصلٌ للمشتق منه، فحينئذٍ صار الفعل فرعاً من جهة اللفظ للاسم.