إذاً: ثَمَّ خلافٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف، وإن كان المشهور عند المتأخِّرين: أنه ما سُلِب التَّنوين والجرِّ معاً، وهذا هو الظاهر والله أعلم.

هنا قال الناظم: (مَا لاَ يَنْصَرِفْ).

الصَّرْفُ تَنْوِيْنٌ أَتَى مُبَيِّنَا ... مَعْنًى بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا

عرفنا أنه يقصد بهذا الباب أن يُبيِّن الأسماء الَّتي لا تنصرف، ودبَّج بهذا الباب بهذا البيت، ليُبيِّن لنا حقيقة الصَّرف الذي هو التَّنوين، وإنَّما ذكره في أوَّل الباب، لأنَّه إذا عُرِف حقيقة تنوين الصَّرف، الذي هو المسلوب عن الاسم فيُحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، إذا عُرِفَت حقيقته حينئذٍ مَيَّز الطَّالب بين الممنوع وغيره.

(الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هذا تعريفه (الصَّرْفُ) حقيقته: أنَّه (تَنْوِينٌ أَتَى مُبَيِّناً) (تَنْوِينٌ) هذا جنس وسبق أنَّه في الأصل: مصدر (نَوَّنْتُ) أي: أدخلت الكلمة نوناً، ثُمَّ غَلَب حتى صار اسماً لنونٍ تلحق الآخر لفظاً لا خطاً بغير توكيد، وسبق أن السيوطي عرَّفه في (الجمع) بأنَّه: نونٌ تثبُت لفظاً لا خطاً، ويُطلق كذلك على التَّصويت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، والتَّصويت يُسمَّى نوناً، وهو ملحظٌ عند بعضهم في توصيل الممنوع من الصَّرف كما سبق، فيُطلق التنوين حينئذٍ على شيئين:

- إدخال النُّون.

- وعلى التَّصويت.

(إدخال النُّون) وهو فعل الفاعل، ثُمَّ نُقِل هذا اللفظ الذي هو التَّنوين - فعل الفاعل - وجُعِل علماً بالغلبة على النُّون نفسها (زَيْدٌ) النون هذه بعد زيد نقول: هذا تنوين، وأصل التَّنوين: أنَّك تدخل زيد هذه النون، ثُمَّ نُقِل فصار عَلَماً بالغلبة على النُّون نفسها.

ويُطلق ويراد به التَّصوِيت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، وعليه: هل المعنيان موجودان في النُّون الزائدة هذه أم لا؟ نقول: نعم، لا بأس بهذا أن يُقال: يُلاحَظ فيه إدخال النُّون، ويُلاحَظُ فيه أنَّه دالٌّ على الصَّوت.

فقوله: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هنا عيَّن أنَّه تنوين فقط، ولم يذكره معه الكسرة فدَلَّ على أنَّ المراد هنا (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) وحده فقط دون غيره، فلا يشترك معه الكسرة، فقوله: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) أي: وحده، وأمَّا الجرُّ بالكسرة فتابعٌ للتَّنوين، فسقوطه بِتَبَعِيَّة التَّنوين، لماذا سَقَط الجر؟ نقول: لكون التَّنوين قد سقط فهو تابعٌ له، وهذا التَّعليل فيه نظر. فقيل: مأخوذٌ من الصَّرِيف أو الصَّرْف وهو الفضل، لأنَّ له فضلاً على غير المنْصرِف.

إذاً الناظم هنا قال: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) ولم يذكر معه الكسرة، فدَلَّ على أنَّ الممنوع من الصَّرف ما مُنِع هذا التَّنوين.

. . . . . أَتَى مُبَيِّنَاً ... مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا

سبق أنَّ التَّنوين أنواع، والذي يَكثُر دخوله على الاسم أربعة، أشهرها:

تنوين الصَّرف، وتنوين العِوَض، وتنوين المقابلة، وتنوين التَّنكير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015