إذاً: حُكم (مَا لاَ يَنصَرِفْ) أنَّه لا يُنَوَّن ولا يُجَرُّ بالكسرة على القولين هذه النتيجة، على قول ابن مالك رحمه الله تعالى: أنَّه التَّنوين فقط، إذاً: لا بُدَّ من تعليل لماذا سُلِبَ الكسر مع كون الممنوع من الصَّرف هو التَّنوين فحسب.

قيل: واخْتُلِف - لم مُنِع منها الكسرة – فقيل: لِشَبَه الفعل كما مُنِع التَّنوين، وإن لم يكن داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف، فلمَّا وجد الشَّبه بالفعل أخذ حكمه، وأخذ الحكم إنَّما يكون بسلب التَّنوين وسلب الكسرة، لأنَّ الكسرة من خصائص الأسماء والتَّنوين من خصائص الأسماء، فلا يدخل الفعل لا تنوين ولا كسر، فَلمَّا وجِد الشَّبه مُنِع من التَّنوين فسُمِّي ممنوعاً من الصَّرف، ومراعاةً لهذا الشَّبه كذلك سُلِب عنه الكسرة، وهذا يؤيِّد القول الثاني.

وقيل: لئلا يُتَوَهَم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، لأنَّه سبق أنَّ ياء المتكلِّم قد تُحذف وتبقى الكسرة دليلاً على الياء، حينئذٍ لو جُرَّ بالكسرة على ما هو عليه فقيل: مَرَرْتُ بأَفْضَلِ، وأَحْمَدِ، وإِبْرَاهِيمِ، قد يظن الظَّانَّ أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، وحُذِفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها، فدفعاً لهذا الوهم حينئذٍ انتُقِل من الجر بالكسرة إلى الفتحة.

إذاً قيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم وأنَّها حُذِفت واجتزئ بالكسرة.

وقيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مبني مثل: حَذَامِ وأَمْسِ، ونحو ذلك، لأنَّ الكسرة لا تكون إعراباً إلا مع التَّنوين: لِعَمْرٍ .. لِزَيْدٍ، أو الألف واللام: مَرَرْتُ بالغُلام، أو الإضافة: بِغُلامِ زَيْدٍ، فلمَّا مُنِع الكسرة حُمِل جرُّه على نصبه بالفتحة كما يُنْصَب بها لاشتراكهما في الفضلية لأن كلاً منهما فضلة، الكسر فضلة .. إعراب الفضلات، والنصب إعراب الفضلات، حينئذٍ حُمِل الممنوع من الصَّرف على المنصوب حَملاً للخفض على النصب.

بخلاف الرفع فإنَّه عُمْدَة، كما حُمِل نصب جمع المؤنَّث السالم على خفضه لذلك، فإن أضِيف الممنوع من الصَّرف أو صَحِب (أل) مُطلقاً، سواءٌ كانت مُعرِّفة أم زائدة إلى آخره جُرَّ بالكسرة اتفاقاً، وهذا قد نَصَّ عليه في أول الكتاب عند قوله:

وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالاَ يَنْصَرِفْ ... مَالْمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ

((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4] .. ((كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ)) [هود:24].

رَأَيْتُ الْوَليْدَ بْنَ اليَزِيدِ مُبَارَكاً ..

(اليَزِيدِ) (يَزِيدِ) هذا ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه على القول الثاني، الكلام الآن في تعليل: لماذا الممنوع من الصَّرف على القول بأنَّه ما سُلِب التَّنوين، لماذا مُنِع من الكسرة أيضاً، وهو ليس داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف؟ حينئذٍ عُلِّل بهذه العلل.

وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه مع دخول (أل) وإنَّما جُرَّ لأمن دخول التَّنوين فيه، أو مصروف لأنَّه دخله خاصةٌ من خواص الاسم هذا خلافٌ بين النُّحاة، والثاني هو المختار، هكذا قال السيوطي في (الجمع) وعليه السِّيرَافي والزجَّاج والزجَّاجي .. (الزجَّاج) بدون ياء، والزجَّاجي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015