إذاً: (كَذَا) مثل (ذا) (رُوَيدَ بَلْهَ نَاصِبَينِ) يعني: ما بعدهما، (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ) هذا النوع الثاني قلنا: مما هو مصدرٌ في الأصل .. منقول عن المصدر، ثُمَّ ليس مُطَّرداً في كونه اسم فعلٍ، بل قد يَخرج عن كونه اسم فعل فيكون مصدراً.
(رُوَيدَاً) قيل أصله: (أرْوَد زيداً إرْوادَاً) بمعنى: أمهَلَه إمهَالاً، ثُمَّ صَغَّروا الإرواد تصغير ترخيمٍٍ وأقاموه مُقام فعله، واستعملوه تارةً مُضافاً إلى مفعوله فقالوا: (رُوَيدَ زَيْدٍ) مُضاف إلى المفعول ومصدر، وتارةً مُنوَّناً ناصباً للمفعول فقالوا: (رُوَيدَاً زَيدَاً) ثُمَّ إنهم نقلوه وسَمو به فعله فقالوا (رُوَيدَاً زَيْدَاً) وأمَّا (بَلهَ) فهو في الأصل: مَصْدر فعلٍ مُهْمَل.
إذاً: (رُوَيدَ) هذا مِثالٌ لمصدر له فعل في لسان العرب و (بَلْهَ) مِثالٌ لمصدر ليس له فعل بل هو مهمل. وأمَّا (بَلْهَ) فهو في الأصل مصدر فعلٍ مهمل مرادفٌ لـ (دع) و (اترك) فقيل (بَلْهَ زَيْدٍ) بالإضافة إلى مفعوله، كَما يُقال (ترك زيدٍ) ثُمَّ قيل (بَلهَ زَيْدَاً) بالنصب .. نصب المفعول وبناء (بَلهَ) على أنه اسم فعلٍ.
قال هنا الشارح: من أسْمَاءِ الأفْعَال ما هو في أصله (ظرفٌ)، وما هو (مجرورٌ بحرفٍ) نحو: (عَلَيِكَ زَيْدَاً) " هذا يَتعدَّى بنفسه (عَلَيِكَ زَيْدَاً) يعني: الزم زيداً، وقيل: بالباء (عَلَيِكَ بِزَيْدٍ)، و (إِلَيْكَ) أي: تَنَحَّ، إليك عني، يتعدى بـ: (عن)، و (دُونَكَ زَيْدَاًَ) أي: خذه .. خذ زيداً.
ومنها: ما يستعمل مصدراً واسم فعلٍ كـ (رُوَيدَ) و (بَلهَ)، وفُهِم منه أن الفتحة في (رُوَيدَ) و (بَلْهَ) فتحة بناء، لأن أسماء الأفعال كلها مبنية كما سبق، إذاً: مبنيٌ على الفتح لا محل له من الإعراب، وإذا كانا مصدرين صارت الفتحة فتحة إعراب، ولذلك قلنا: (يَعْمَلاَنِ) الألف تعود .. الضمير على اللفظ فحسب، لا على المعنى، لأننا إذا أعدنا على اللفظ والمعنى صار تناقض عندنا، كيف هي مُعْرَبة مبنيَّة في وقتٍ واحد .. كيف هي اسم فعلٍ وهي مصدر في وقتٍ واحد؟ لا، إنما أُعِيد على اللفظ فحسب.
إذاً: (يَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَينِ) حينئذٍ (رُوَيدَ) و (بَلهَ) الفتحة فتحة إعراب. وإذا كانا مصدرين ففتحتهما فتحة إعرابٍ، لأن المصادر مُعرَبة.
فإن جَرَّا ما بعدهما فهما مصدران (رُوَيدَ زَيْدٍ) أي: إِرْوادَ زَيْدٍ، أي: إمهاله، وهو منصوب بفعلٍ مضمر و (بَلهَ زَيْدٍ) أي: تركه، وإن انتصب ما بَعدهما فهما اسْما فعلٍ (رُوَيْدَ زَيْدَاً) أي: أمهل زيداً، و (بله عمراً) أي: اتركه.
وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلْ ... لَهَا وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَلْ