وقد سَبَق في الأسماء الملازمة للنداء أنه ينقاس استعمال (فَعَالِ) اسم فعل مبنياً على الكسر من كل فعلٍ ثلاثي تام، مُتَصرِّفاً تام التصرُّف، هذه الشروط الأربعة، فتقول: (ضَرَابِ زَيْدَاً)، إذاً: ما سُمِع (ضَرَابِ) لكن لك أن تقيسه، أي: اضْرِبْ و (نَزَال) أي: انْزِلْ و (كَتَابِ) أي: اكْتُبْ، ولم يَذْكره المصنف هنا استغناءً بذكره هناك، أحال على ما سبق.
وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيكَا ... وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إِلَيْكَا
كَذَا رُوَيدَ بَلْهَ نَاصِبَينِ ... وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ
إذاً: عَرَفْنا حد اسم الفعل، وعرفنا أنواعه الثلاثة.
السيُوطي له كلام جيِّد هنا يقول: "هي أسماءٌ قامت مَقَام الأفعال في العمل، غير مُتصرِّفةٍ، لا تَصرُّف الأفعال ولا تَصرُّف الأسماء" انظر! تعريف السيُوطي دقيق، يعني: هي مُلازِمة لحالة واحدة، جامدة، لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال ولا تَصرُّف الأسماء، ما المُراد بِتصرُّف الأفعال؟ إذ لا تَختلف أبنيتُها لاختلاف الزمان، (فَعَلَ .. يَفْعِلُ .. افْعَل) الفعل يَتصرَّف من حيث دلالته على الزمن، يأتي على صيغة (فَعَلَ .. فَعُلَ .. فَعِلَ) ويأتي على صيغة (يَفْعُلُ) وعلى (افعل) إذاً: يَتصرَّف، صِيَغُه ليست واحدة.
وإذا أُرِيد التعدية قيل: (أَفْعَلَ وافْتَعَلَ وتفَعَّلَ واسْتَفْعَلَ) إذاً: يَتصرَّف في الدلالة على المعنى وفي الدلالة على الزمن، هذا تصرُّف الفعل، إذاً: أسماء الأفعال لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال إذ لا تَختلف أبْنيتُها لاختلاف الزمان.
لا تَصرُّف الأفعال ولا تصُّرف الأسماء، إذ لا يُسْنَد إليها، بمعنى: أنها لا تكون فاعلاً، ولا مبتدأً، ولا مفعولاً، هل تكون هي مُسندة؟ نعم، لأنه تَرَفع فاعلاً: (هَيْهَاتَ العقيق) إذاً: رفعت فاعلاً، إذاً: هي مُسندة لكن لا يُسْنَد إليها. لا يُسْنَد إليها فتكون مبتدأة، أو فاعلة، ولا يُخْبَر عنها فتكون مفعولاً بها أو مجرورة، إذاً: لا تُجر، ولا تكون فاعلاً، ولا مفعولاً به، ولا مبتدأً، ولا خبراً.
ولكن هذا لا يلزم منه ألا تكون مُسندة بأن تعمل في غيرها، إنما لا يدخل عليها عاملٌ يقتضي رفعها على أنها فاعل ولو كانت اسماً، حينئذٍ لا يلزم أن تكون في محلٍّ هي فاعل، لأنه يستلزم أن يَتقدَّم عليها عامل، إذاً: يعمل فيها، فقلنا: ضابط أسماء الأفعال: ألا يعمل فيها شيءٌ البتَّة، لا عاملٌ لفظي وهذا محل وفاق، ولا عاملٌ معنوي، فلو قلنا: هي مبتدأ إذاً لا بُدَّ أن يَتقدَّم عليها عامل الابتداء وهو معنوي، إذا قلنا: مفعول، أو فاعل، أو خبر، لا بُدَّ أن يَتقدَّم عليه عاملٌ لفظي: فعل فيرفع الفاعل، أو مبتدأ فيرفع الخبر، وهذا كُله ممتنع.
وبهذا القيد خرجت الصفات والمصادر، فإنها وإن قامت مَقَام الأفعال في العمل إلا أنها تَتَصرَّف تصرُّف الأسماء فتقع مبتدأً وفاعلاً ومفعولاً .. إلى آخره، بِهذا القَيد: كونها لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال ولا الأسماء أخرج المصادر وأسماء الفاعلين، وهذا أولى مِمَّا ذكره الناظم رحمه الله تعالى.
وأمَّا قول زُهير:
دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرِ ..