أمْسِ: هذا مختلف فيه، أمس عند الحجازيين بني لتضمنه معنى حرف التعريف؛ لأنه معرفة بغير أداة ظاهرة، بدليل وصفه بالمعرفة، تقول: أمس الدابرُ لا يعود، أمس: مبتدأ مرفوع بالابتداء، في محل رفع مبتدأ، الدابر: بالضم هذا نعته، لا يعود: الجملة خبر، انظر نعت بماذا؟ بالضم، الدابرُ؛ لأنه في محل رفع، فباعتبار المحل حينئذٍ نقول: اتجه أن نعرب الدابر بالرفع.
إذاً: أمسِ، نقول: بني لتضمنه معنى حرف التعريف، والأصل فيه أن يسكن، وهنا حرك بالكسر، لم؟ للتخلص من التقاء الساكنين، وهناك أين، قلنا: بني على الفتح تخلصاً من التقاء الساكنين، لكنه رجع إلى ماذا؟ إلى الفتح دون الكسر طلباً للخفة، وهنا بقي على أصله؛ لأن أمس أخف من أين.
حيثُ: هذا مبني على الضم، لم بني حيث؟ للشبه الافتقاري؛ لأنها ملازمة للإضافة مثل الذي وإذ وإذا، لم حرك؟ ليعلم أن له أصلاً في الإعراب، لم كانت الحركة ضمة؟ تمام ما شاء الله، جبراً لما فاته، يعني: فاته ماذا؟ الإعراب، فأعطي أقوى الحركات، جبراً لأنه صار فيه نقص، حيثُ: هذا على لغة الضم، وإلا فيه ثلاث لغات: حيثِ .. حيثَ .. حيثُ، على هذه اللغة نعلل بهذا، حينئذٍ نقول: التغير هنا والتبدل حيثِ .. حيثَ .. حيثُ هذا ليس من أجل العامل بل تبدل لغات.
وَالسَّاكِنُ كَمْ، يعني: والساكن كثير، لا يحتاج إلى مثال، أو والساكن كم الاستفهامية أو الخبرية، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وجعل كم هنا على أنها هي مثال أولى؛ لأنه إذا قيل: والساكن كم، يعني: كثير لا يحصر، حينئذٍ نقول: ما مَثَّلَ للساكن، أليس كذلك؟ لكن إذا قيل: والساكن، يعني: مثال الساكن، لفظ كم الاستفهامية أو الخبرية حينئذٍ صح، وبني كم للشبه الوضعي؛ لأنها وضعت على حرفين: كم، وهذا الأصل فيه أن يكون للحرف، أو لتضمن الاستفهامية معنى الهمزة، الاستفهامية بنيت لتضمنها معنى الهمزة، يعني: الشبه المعنوي .. الشبه المعنوي.
والخبرية تضمنت معنى: رُبَّ التي للتكثير، كم مال؟ يعني كثير، حينئذٍ تضمنت معنى: رُبَّ، -رُبَّ التي للتكثير-، هذا أو ذاك على كلٍ هي مبنية.
إذاً: أشار بهذا البيت إلى أن الحرف مبني، وأن بنائه على الأصل، ثم بين لنا أن الأصل في البناء أن يكون على السكون لخفته ولثقل المبني، ثم بين أن من ألقاب البناء الفتح والكسر والضم، فالبناء على السكون كما مَثَّل هنا يكون في الاسم والفعل والحرف، لكونه الأصل، ولكونه خفيف، يكون في الاسم والفعل والحرف، لماذا؟ لأنه الأصل، فحينئذٍ دخل الاسمَ، ودخل الفعلَ، ودخل الحرفَ، كم .. اضرب .. هل، كم: هذه مثال للاسم، اضرب: هذا مثال للفعل، وعلى قول الجمهور: قمتُ، أيضاً مثال للفعل، هل .. قد .. بل الحرف، فدخل الكل الكلمات الثلاث: الاسم والفعل والحرف، لكونه الأصل، وكذلك الفتح لكونه أخف الحركات وأقربها إلى السكون.
وأما الضم والكسر فهذا يدخل الحرف ولا يدخل الفعل، يدخل الحرف مثل ماذا؟ منذ على لغة من جر بها، لا .. يدخل حرف الضم، مثال لماذا أنا ذكرت؟ الكسر والضم يدخلان الحرف، مثل ماذا؟ باء الجر: مررت بزيد، مبني على الكسر، هذا حرف مبني على الكسر، حرف مبني على الضم: (منذ)، في لغة من جَرَّ ِبها.