وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا: إذا كان كذلك لا يفهم منه أنه لا يوجد مبني إلا وهو ساكن، بل منه ما خرج عن أصله، ولذلك قال: ومنه، أي: من المبني ما حرك لعارضٍ اقتضى تحريكه، منه، يعني: بعضه، إشارةً إلى عدم الانحصار فيما ذكره؛ لأن من المبني ما بني، قال: (وَمِنْهُ)، أي: بعضه وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ، إذاً: الأصل فيه السكون، ثم منه ما حرك عن أصله للتخلص من التقاء الساكنين، إما بفتح وإما بكسر وإما بضم، فألقاب البناء على هذا تكون أربعة، هل هي محصورة في هذا النوع؟ الجواب: لا، ما الذي دلنا؟ قوله: ومنه .. من هنا للتبعيض، فدل على أن بعضه مبني على غير السكون، وذكر منه الفتح والكسر والضم؛ لأن من المبني ما بني على حرف فيا زيدان، أو على حذف .. حذف حرف: أغزُ، هذا مبني على ماذا؟ على حذف حرف العلة، والمبني فيه أصل أو فرع .. البناء فيه أغزُ، أصل أو فرع؟ .. لماذا تترددون؟
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا: على الأصل، ولذلك قلنا: قدم فعل الأمر ليدل على أنه كأنه لا نزاع فيه، قدمه على المتفق عليه، فحينئذٍ أغز، نقول: هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وهو لم يذكر الحذف، كذلك: يا زيدان، يا: حرف نداء، زيدان: منادى مبني على الألف في محل نصب.
إذاً: قد يبنى على حرف، وقد يبنى على حذف، وقد يبنى على حركةٍ، وقد يبنى على سكون، لذلك قال: ومنه ذو فتح، أي: صحاب فتح، ذو هنا بمعنى: صاحب، وهو مبتدأ مؤخر، (ومنه) هذا خبر مقدم، ذو فتح، أي: صاحب فتح، قدمه على الكسر والضم؛ لأن الفتحة أخف الحركات.
قدم الفتح على الكسر وقدم الكسر على الضم، هل هو مقصود الترتيب هنا؟ نقول: نعم؛ لأن الحركة وإن كان جنسها ثقيلاً من حيث هي إلا أنها عند التفصيل بعضها أثقل من بعض، فالكسر أثقل من الفتح، والضم أثقل من الكسر، إذا أردنا أن نبدأ من الأخف نقول: فتحٌ ثم كسرٌ ثم ضمٌ، وإذا أردنا العكس، نقول: الأثقل الضم، ثم الكسر، ثم الفتح، حينئذٍ صار الترتيب هنا مقصوداً للناظم، ولذلك بدأ بالفتح؛ لأنه أقرب إلى السكون؛ لأن السكون خفيف، قلنا: صار أصلاً في البناء لخفته.
إذاً: إذا خرج عن أصله حينئذٍ أولى ما يبنى عليه ما هو أقرب الحركات إلى السكون، ثم الكسر، ثم الضم.
وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ، يعني: ومنه وذُو كَسْرٍ، وَضَمْ، يعني: ومنه ذو ضم.
كَأيْنَ أمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ: كَأيْنَ: الكاف هذه تمثيلية، وليست استقصائية، كقولك: أين زيد؟ أين هذه اسم استفهام، الأصل أنها معربة أو مبنية؟ معربة، لم بنيت؟ لشبهها بالحرف شبهاً قوياً، لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، ما نوع الشبه؟ معنوي، ما وجهه؟ أين زيدٌ، أُدِّيَ بـ (أين) معنىً كان حقه أن يؤدَّى بالهمزة، هذا معنى الشبه المعنوي، الأصل فيه أن يبنى على السكون، لكنه بني على الفتح، لماذا؟ للتخلص من التقاء الساكنين، أي .. أيْ: ساكن الياء، أين.
أمْسِ: مبني أو معرب؟ مبني، والأصل فيه الإعراب، لم بني؟ قلنا لم يذكر فيما سبق، فنحتاج إلى بيانه.