وقوله: (تنبيه المخاطب) إنَّما اقتَصَرَ على المخَاطَب لماذا؟ قيل: لأنه هو المقيس، والمُتكلِّم والغائب قيل: إنهما قليلان أو شاذَّان، إذاً: تنبيه المخَاطَب إنما اقتَصَرَ على المخَاطَب، مع أنه يَحتمل المُتكلِّم، ويَحتمل الغائب، اقتَصَرَ عليه مع أن التحذير يكون لغيره، لأن تحذير المخَاطَب هو الكثير المقيس، ما عداه قليل - سُمِعَ لكنَّه قليل - وإذا كان قليلاً لا يكون مَقيساً.

مع أن التحذير يكون لغيره، لأن تَحذير المخَاطَب هو الكثير المقيس، حينئذٍ اخْتصَّ بهذا الحد، ذَكرُوه النحاة دون غيره لما ذَكَرْناه من الفائدة، ويُقال أيضاً: المقيس من التحذير: ما كان صادراً من المتَكلِّم لتخويف المخَاطَب، أمَّا ما صَدَرَ من المتَكلِّم كتحذير نفسه، أو غائبٍ فليس بمقيسٍ بل هو شاذٌ في الحالين -وهذا أجود- أن يُقال: أنه إذا كان التحذير لغائب فهو شاذ، وإذا كان التحذير للمُتكلِّم نفسه فهو شاذ، وإنما يَختصُّ المقيس في لسان العرب وهو الكثير المطَّرِد: أن يكون للمخَاطَب فقط، أمَّا تحذير النفس فهذا بعيد، لو سُمِعَ حينئذٍ يُحْمَل على المجاز ولا يكون حقيقةً، كما قلنا: الإنسان لا ينادي نفسه، ولا يُحذِّر نفسه حقيقةً، لأنه إذا عَلِم الشَّر فالأصل: العاقل أنه يبتعد.

على أمرٍ مكروهٍ ولو في زَعْم المُحذِّر فقط أو المخاطب فقط، يعني: لا يُشتَرط فيه أن يكون هذا المكروه الذي يُنَبٍّه المخَاطَب عليه: أن يكون مُتفقاً بينهما، لا، قَدْ يكون مكروهاً عنده، غير مكروه عند المخَاطَب، يعني: إذا نَبهت شخصاً على أمرٍ ترى أنه مكروه .. مذموم، هل يلزم أن يكون المخَاطَب يَعْلَم ذلك وأنه يقرُّ به؟ لا يلزم، يُسمى تَحذيراً ولو لم يكن عنده مذموماً مكروهاً، والحكم حينئذٍ مُنْفَك. ولو في زَعْم المُحذِّر فقط أو المخاطب فقط، ليجتنبه يعني: يبتعد ويتركه.

بقي: تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، لو كان إنسان هكذا نَبَّه المخَاطَب على أمرٍ مذموم ليفعله، كما أنه قد يُنَبهه على أمرٍ محمودٍ ليتركه، هل يُسمى تَحذيراً، ويُسمى إغراءً؟ قالوا: نعم.

بقي تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، مع أن التحذير: تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذموم ليتركه ويَجتنبه، لكن هذا خالف العقل والفطرة والدين، فأمره ونَبَّهه من أجل أن يفعله.

وتنبيهه على أمرٍ مَحمود ليجتنبه. فقيل: الأول من الإغراء والثاني من التحذير، الأول من الإغراء: الذي هو تَنْبيه المُخاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، إذا كان المُراد به الفعل حينئذٍ هو إغراء، ولو كان مذموماً، والثاني: الترك ولو كان لمحمودٍ فهو تحذير، فقيل: الأول من الإغراء والثاني من التحذير، ولم يذكرهما النحاة في الحد، لأنه لا ينبغي صدورهما من عاقل.

ودخل في التعريف، نحو: لا تؤذِ أخاك ولا تعصِ الله، وفي الإغراء: أحسن إلى أخيك وأطع الله واصبر، يعني: ما كان مؤداً بالجملة كما سبق في النُّدْبَة هناك: المُتَفَجَّع عليه لا بد من زيادة (وا) أو (ياء).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015