التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ: قلنا جَمَعهما في بابٍ واحدٍ لاستوائهما في أحكامهما، وكان ينبغي تقديم الإغراء على التحذير .. حسن، الإغراء: حَث على التزام شيءٍ محمود، والتحذير: تَخْويف، تفاءلوا .. تُقدِّم الإغراء على التحذير، ولذلك يُقال: (الثواب والعقاب) هكذا جرى البصريون وغيرهم، ولا يُقال: (العقاب والثواب) إنما يُقَدَّم ما فيه حُسنٌ على ما فيه تخويف، لأن الإغراء هو الأحسن معنىً، وعادة النحويين البداءة به كما يقولون: (نِعْمَ وبِئسَ) (نِعْمَ) هذا في المدح و (بئس) في الذمِّ، فيقَدَّم ما هو حسن على ما ليس كذلك.

وقَدْ يُقال: إنما قَدَّم التحذير لأنه من قبيل التَخْلِية، والإغراء من قبيل التَحْلِية، والتَخْلِية قبل التَحْلِية هكذا شاع، ونقول: فيه نظر، بل الصواب التَخْلِية مع التَحْلِية، والتَحْلِية مع التَخْلِية كلٌ منهما مصاحبٌ للآخر، وأمَّا التَخْلِية قبل التَحْلِية ويُراد بالقبلية المراد ذهناً هذا فيه نظر، حتى في تزكية النفوس، التخلية مع التحلية وإن شئت قُل: بالتحلية، أمَّا التخلية قبل التحلية هذا فيه نظر.

على كلٍّ هنا قال: "لأنه من قبيل التَخْلِية، والإغراء من قبيل التَحْلِية، ثُمَّ هما وإن تساويا حكماً مفترقان معنىً" يعني: من جهة الحكم واحد، الأحكام اللفظية الإعراب ونحوه، وأمَّا من حيث المعنى بينهما فرق واضح.

وهما مفترقان معنىً، فالإغراء: التسليط على الشيء (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) أو (الصَّلاَةَ .. الصَّلاَةَ) يعني: الزم الصلاة. والتحذير: الإبعاد عنه يعني: عن الشيء المُحذَّر منه، ويشتمل التحذير على مُحذِّر وهو المتَكلِّم، ومُحذَّر وهو المخاطَب، ومُحذَّرٌ منه، وهو الشَّر مثلاً، ومثله يجري في الإغراء.

إذاً: ثلاثة أركان في التحذير: (مُحذِّر) وهو المُتكلِّم، و (مُحذَّر) وهو المخَاطَب، و (محذَّرٌ منه) وهو الشَّر (إيَّاك والشَّرَّ) أنا مُحذِّر، وأنت المُخاطَب بـ (إيَّاك) مُحذَّر، والشَّر مُحذَّرٌ منه.

(التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ) (التَّحْذِيرُ) مصدر حَذَّرَ .. يُحذِّرُ .. تَحذيراً، مصدر حَذَّرت فلاناً كذا، أو حذَّرته من كذا، أي: خَوَّفْته، فالتحذير في اللغة بمعنى: التخويف، وفعله يَتعدَّى إلى مفعولين: ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)) [آل عمران:28] (يُحَذِّرُكُمُ) الكاف مفعول، (نَفْسَهُ): مفعولٌ ثاني، إذاً: يتعدى إلى مفعولين.

واصطلاحاً: المشهور عند النحاة أنه التحذير: تنبيه المخاطب على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبه، هذا المشهور، ولكن إذا قيل: بأنه تنبيه المخاطَب على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبه، نأتي على شرحه ثم ننقضه.

و (الإغْرَاءُ): تنبيهه على أمرٍ محمودٍ ليفعله، الإغراء: مَصدَر أغريت فلاناً بكذا إذا حملته عليه، وألزمته أن يفعله.

وفي الاصطلاح عندهم: تنبيه المخُاطَب على أمرٍ محمودٍ ليفعله، إذاً: كلاهما تنبيه، وكلاهما مُتعلقَان بالمخُاطَب، لا المتَكلِّم ولا الغائب، إنما نصوا على المخاطب لما سيأتي، وهو مَقيسٌ فيه.

تنبيه المخاطب: إمَّا على أمرٍ محمودٍ ليفعله ويلتزمه وهو الإغراء، وإمَّا على أمرٍ مذمومٍ ليجتنبه، إمَّا حث على شيء ليفعل، وإمَّا تحذير من شيء ليترك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015