السادس عشر: أن (أيَّ) هنا اخْتُلِف في ضمَّتها هذه هل إعرابٌ أو بناء؟ مُخْتَلفٌ فيها كما سبق: السِيرَافي يرى أنها مُعْرَبة، والأخْفَش يرى أنها مُنَادى، والجمهور على أنها مبنية، وفي النداء ضمَّتها بناءٌ بلا خلاف.
السابع عشر: أن الفعل المحذوف هنا فعل الاختصاص، وفي النداء فعل الدعاء، فرقٌ شاسع .. هذا الفرق يكفي أن يَفْصِل بين البابين، لو قيل باتحاد العامل تَمْشِي، لكن لمَّا كان (أخُصَّ) هنا هو المُقدَّر، وهناك (أدعو) هذا صار مُنْفصلاً.
الثامن عشر: أن هذا العامل لم يُعوَّض عنه هنا شيء، وعُوِّض عنه في النداء، قلنا: (يا) هذه عِوض عن (أدعو) وهنا حُذِف فَلَم يُعوَّض، إذاً: فرقٌ بينهما.
وعُوِّض عنه في النداء حرفه – أي: حرف النداء -، جميع هذه الأحكام راجعة إلى جهة اللفظ، ثماني عشرة موضعاً.
وأمَّا الأحكام المعنوية التي يفترقان فيها فثلاثة أحكام:
- أن الكلام مع الاختصاص خبر ومع النداء إنشاء، -هذا أيضاً تَضُمُّه إلى ما سبق-، أن الكلام هنا من قسم الخبر، والنداء إنشاء.
- الثاني: أن الغَرَضَ من ذِكْره تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نُسِب إليه بخلاف النداء، يعني: الغَرَض هنا من ذِكْر الاختصاص: تَخصيص مدلوله، يعني: فيه قَصْرٌ، إذا قيل (ارجوني أيها الفتى): ارجوني أنا لا غيري، هذا المُراد به في معنى الاختصاص، قلنا: قَصْر الحكم على بعض أفراد المذكور: (ارجوني لا غيري) وهذا ليس موجوداً في النداء، هذا فارق جوهري أيضاً.
- الثالث: أنه مفيدٌ لفخرٍ، أو تواضع، أو بيان مقصود، كما ذكرناه في الإغراء.
هذه فوارق لفظيه ومعنوية تَجعل الناظر أنه يَجْزم جَزْماً باتاً: أن لا علاقة لا من قريبٍ ولا من بعيد بين البابين، وأن ما ذُكِر من وجه الشبه إنما هو تكلُّفٌ وحسب.
إذاً:
الاِخْتِصَاص كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا
وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ ... كَمِثْلِ نَحْنُ ?لعُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ
(أَسْخَى) يعني: أقرى الناس للضيف.
قال الشارح هنا: "الاختصاص يشبه النداء لفظاً، ويخالفه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يُستعمل معه حرف نداء.
والثاني: أنه لا بُدَّ أن يسبقه شيء.
الثالث: أن تصاحبه الألف واللام، وذلك كقولك (أنا أفعل كذا أيها الرجل) و (نحن العرب أسخى الناس) وقوله صلى الله عليه وسلم {نَحْن معَاشِر الأنبياء لا نُورَث مَا تَرَكْنَاه صَدَقة} وهو منصوب لفعل مُضْمَر، والتقدير: أخصُّ العَرَبَ، وأخصُّ معاشر الأنبياء ".
السيُوطي يقول في (جمع الجوامع) وشرحه، قال: "ومنه ما نُصِب على الاختصاص" (منه) يعني: من المفعول به.
في الشرح قال: "أي من المنصوب مفعولاً به بفعلٍ واجب الإضمار باب الاختصاص، وقَدَّرَه سيبويه بـ (أعني) ويَختصُّ بـ (أيٍّ) الواقعة بعد ضمير المُتكلِّم، نحو: (أنا أفعل كذا) ". يعني: المفعول المنصوب على المفعوليه يختصُّ بـ (أي) – هو (أي) فقط هذا الأصل - وقد ينوب عنه المُحلى بـ (أل)، وينوب عنه كذلك المضاف، ثُمَّ العَلَم، فالقسمة رباعية، لكن الأصل: هو (أي) سواءٌ كانت لمُذَكَّر أو مؤنَّث.