إذاً: الأصل في الاسم المخْتَص: أن يكون تابعاً لضميرٍ، لا لاسمٍ ظاهر، ثُمَّ الأصل: أن يكون لمتَكلِّمٍ، وما عداه وهو المخاطب والغائب قيل: شاذ، لكن بعضهم حَكم بأنه قليل في المخاطب، ولا يَتَقدَّم عليه إذا كان لمتَكلِّم، ولا يكون بعد ضمير غائبٍ، وجوَّزه السِيُوطي في (الهمع) بناءً على أنه قليل .. قَلَّ أن يأتي بضمير الغائب، لكن الأكثر على أنه شاذ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، ولذلك قلنا: (تَخصيص حُكمٍ عُلِّق بضمير ما تأخر عنه) يعني: ضمير مُتكلِّم، ثُمَّ قد يكون خطاباً لمُخَاطَب، ثُمَّ قد يكون لغائب، والاثنان المتأخران الأصل: أنهما شاذَّان، والأصل فيه: أن يكون لمُتكلِّم. تأخر عنه من اسمٍ ظاهرٍ مَعرِفة لا نكرة - لا يكون المخْتَص إلا معرفة -، مَعمولٍ لـ: (أخُصَّ) واجب الحذف.
إذاً: عَرَفنا أن الاختصاص عند النحاة مثل النداء - يعني: شبيه بالنداء -، وانظر إلى الفوارق بين البابين عند النحاة ترى العجب. يفارق الاختصاص النداء في أمور: ثمان عشرة موضعاً، أسردها سرداً:
الأول: أنه ليسَ معه نداءٌ لا لَفْظاً ولا تَقديراً، يعني: لا يدخل عليه حرف النداء، لا لفظاً ولا تقديراً – يعني: لا يُنوى -.
الثاني: أنَّه لا يَقَعُ في أوَّلِ الكلام مثل النداء (يا زيد .. يا عمرو) إلى آخره، بل في أثنائه كالواقع بعد (نحن) في قوله صلى الله عليه وسلم {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ}.
أو بعدَ تمامِه كما في مِثَال الناظم (ارجوني أيُّها الفتى) جاء خاتمة .. لا بأس.
أو يقع في الأثناء: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} انظر! المُخْتَص هنا وقع في المنتصف .. حشو الكلام، و (ارجوني أيُّها الفتى) جاء متأخراً، إذاً: لا بأس أن يقع في الأثناء أو متأخراً، أمَّا أن يَتقدَّم فلا.
الثالث: أنَّه يُشْتَرط أن يكونَ المقدَّمُ عليه اسْماً بمعناه كـ (الياء) في (ارجوني) فإنها بمعنى (أيُّها الفتى) أي: أن المُراد منهما شيءٌ واحد، يعني: يكون المُختَص كالمُفسِّر للضمير يصدقان على شيءٍ واحد.
الرابع والخامس: أنه يقِلُّ كَونُه عَلَماً وأنَّه يُنْصَب مع كونِه مُفْرَداً، أي: لفظاً لا محلاً فقط، مع كونه مفرداً أي: مُعرَّفاً، إذاً: يَقل كون عَلَماً أنه يُنْصَب مع كونه مُفرداً، والمفرد في باب النداء مبني، هنا (نَحْنُ العُرْبَ) مفرد، لو كان شبيهاً بالنداء لقال: (نَحْنُ العُرْبُ) لأن المنادى هناك المفرد مبني، وهنا مفرد وهو منصوب كذلك.
السادس: أنه يكونَ بـ (أل) قِياساً (نَحْنُ العُرْبَ) أمَّا هناك فلا .. لا يكون بـ (أل).
السابع: أن (أيّاً) تُوصَف بالنداء باسم الإشارة وهنا لا تُوصَف به.
الثامن: أن المَازِني أجَاز نصب تابع (أيٍّ) في النداء، ولم يحكوا هنا خلافاً في وجوب رفعه، يعني: مَا بَعْد (أيّ) هنا باتفاق أنه واجب الرفع، ولذلك ذُكِر في الحد السابق.
التاسع والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر: أنه لا يكون نكرة، ولا اسم إشارة، ولا موصولاً، ولا ضميراً، وأنه لا يستغاث به، ولا يندب، ولا يُرَخَّم. ما بقي .. أين الشبه هنا؟ غريب هذا .. سبحان الله!!