إذاً: افتقرت إلى كلمة سابقة التي هي المتعلَق، وكلمة لاحقة التي هي المتعلِق، ولذلك يشترطون أن يكون الحرف حرف الجر الأصلي أن يكون له متعلَق، لا بد منها .. لا بد للجر من التعلق.
لا بد للجارِ من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقي
لأن حروف الجر تعدي معاني الأفعال إلى الأسماء التي لا تتعدى بنفسها، إذاً: الحرف فيه معنى، لكن هذه المعاني إفرادية، ثم لا يفهم المعنى بإطلاق اللفظ هكذا فحسب، بل لا بد من أن يكون ثم ما يفسره من كلمة سابقة تسمى متعلَقاً عند النحاة بفتح اللام، وكلمة لاحقة بعده: مررت بزيدٍ، لا بد من: مر، وزيد، لا يطلق الحرف هكذا حتى يفهم، إذا قيل: بأن المراد بالباء هنا التعدية .. لو قيل: الباء مجرد الباء هكذا، لا يفهم منها التعدية ولا يفهم منها السببية ولا غيرها، ولكن لما قيل: مررت بزيد ظهر معناها، ولا يظهر معناها إلا بكلمة سابقة كمر، وزيد كلمة لاحقة.
إذاً: لا يرد أن علة إعراب الاسم موجودة في الحرف، نقول: ذاك المعنى الموجود في الاسم معانٍ تركيبية، وهذه معانٍ إفرادية، فتفهم من التركيب ولا نحتاج فيها إلى الإعراب.
وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا
إذاً: انتهى بقوله: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، من التقسيم الثلاثي، بين لنا الاسم أن منه معربٌ ومبني، والفعل كذلك، والحرف كله مبني.
ثم يبنى على أي شيء، ما هي ألقاب البناء؟ هذا الذي أراد أن يبينه بقوله: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا، والأصل، أي: الراجح فيه أو المستصحَب، وليس المراد به الغالب، إذ ليس غالب المبنيات ساكناً، الأصل قد يطلق ويراد به الغالب الأكثر، وقد يراد به الراجح فيه أو المستصحَب، قلنا لا يحمل على الغالب؛ لأنه ليس الغالب في المبنيات أن يكون مسكناً على الأصل، بل منه ما هو مكسور ومضموم.
وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ: هنا عام يشمل الاسم والفعل والحرف، أنْ يُسَكَّنَا: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والألف هذه للإطلاق، والأصل في المبني السكون، هذا التقدير، فأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، أنْ يُسَكَّنَا: سكَّن يُسكِّنُ تَسكيناً، هذا مصدر، هل المراد به عين المصدر، أو المراد أثره؟ الثاني، لماذا؟ لأن التسكين هو فعلك أنت، كونك تجعل الحرف الأخير عليه سكون، هذا فعلك، ولكن السكون أثر التسكين، سكنت الآخر فنطقت به ساكناً، حينئذٍ المراد به أثر المصدر.
وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً أنْ يُسَكَّنَا، أي السكون، لماذا؟ قالوا: لخفته، وثقل الفعل، وثقل الحركة، والمبني ثقيل فلو حرك اجتمع فيه ثقيلان، المبني ثقيل؛ لأنه ملازم لحالة واحدة، والحركة ثقيلة والسكون خفيف، فأعطي الثقيل الذي هو المبني الخفيف، لماذا؟ سلوكاً مسلك التعادل والتناسب، هكذا يقال، سلوكاً مسلك التعادل؛ لأن لا يعطى الثقيل الثقيل، كما أنه لا يعطى الخفيف الخفيف، إنما يعطى الثقيل الخفيف، ويعطى الخفيف الثقيل، هذا الأصل فيه، هكذا يقولون.