إذاً: قَسَّم لنا الناظم هنا المُرَخَّم بعد ترخيمه إلى لغتين: لغة من ينوي المحذوف، وهي التي تُسمى: من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، فأشار إلى الأول بقوله: وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ فَالبَاقِي -من المُرَخَّم- استعمل بما أُلِف فيه .. على حاله الذي نَطَق به الناطق، ومعنى البيت: أنك إذا نويت المحذوف للترخيم فاترك الحرف الذي قبله على حاله قبل الحذف، واستعمله كما كان قبل الحذف.
(وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً)، (مَحْذُوفاً) هذا مفعول به لـ: (تَنْوِ)، و (تَنْوِ) مجزوم بِحذف حرف العلَّة.
(كَمَا لَوْ كَانَ بِالآخِرِ وَضْعاً تُمِّمَا) تُمِّمَ من جهة الوضع، ومعنى البيت، أي: اجعل الحرف الذي قبل المحذوف إذا لم يُنْوَ المحذوف كما لو كان آخر الكلمة، فيتعيَّن بناؤه على الضمِّ، كما تُضَمُّ دال (زَيْد) و (جعفر) قبل الترخيم، تقول: (يا جَعْفَرُ) هل يَجوز فيه وجهان؟ لا يَجوز .. لا يُقال: (يا جَعْفَرَ) وإنما يُقال: (يا جَعْفَرُ) ببنائه على الضمِّ، لأن الكلمة هكذا، لو رخَّمتها: (يا جَعْفَ) جاز لك الوجهان، إذا نويت المحذوف حينئذٍ تقول: (يا جَعْفَ) تُبقِي الفاء على حالها قبل الحذف، وهو كونها مفتوحة، حينئذٍ كيف نُعرِبه (يا جَعْفَ)؟ (يا) حرف نداء، (جعف) مُنَادى مبنيٌ عل الضمِّ .. أين الضَمُّ؟ على الراء المحذوفة .. على الحرف المحذوف، لماذا نُقدِّره عليه؟ لأنه منوي، وإذا قلت: (يا جَعْفُ) مبني على آخره، أين آخره؟ الفاء، إذاً: صار آخره، فرقٌ بينهما في الإعراب.
فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ فِي ثَمُودَ يَا ... ثَمُو وَيَا ثَمِي عَلَى الثَّانِي بِيَا
قال الشارح هنا: يجوز في المُرَخَّم لغتان، إحداهما: أن ينوَى المحذوف منه، والثانية: ألا ينوَى، ويُعَبَّر عن الأولى بلغة من ينتظر الحرف، وعن الثانية بلغة من لا ينتظر الحرف، فإذا رخَّمْت على لغة من ينتظر تركت الباقي بعد الحذف على ما كان عليه من حركة أو سكون، فتقول في جعفرٍ: (يا جَعْفَ) أبقيت الفاء على حالها -فتح -، وفي حارثٍ: (يا حَارِ) بكسر الراء كما هي، وفي قِمَِطْرٍ بالسكون: (يا قِمَطْ) وفي منصور: (يا مَنْصُ) بالضمة.
وإذا رخَّمْت على لغة من لا ينتظر عَامَلت الآخر بما يُعامل به لو كان هو آخر الكلمة وضعاً - في الوضع .. التمييز- فتبنيه على الضمِّ وتُعامله مُعاملة الاسم التام فتقول: (يا جَعْفُ) بضَمِّ آخره، كما تقول: (يا زَيْدُ) و (يا حارُ) و (يا قِمَطُ) و (يا مَنْصُ) حينئذٍ (يا مَنْصُ) تُقَدِّر الضمَّة. بضَمِّ الفاء والراء والطاء، و (يا مَنْصُ) بالضّمِّ في الجميع كما لو كانت أسماءً تامة لم يُحْذفَ منها شيء.