إذاً: كأن (جَعْفَ) (الفاء) هذه هي آخر الكلمة، كأنها مثل (زيد) .. كأن الواضع وضع هذه الكلمة على ثلاثة أحرف، حينئذٍ ماذا تصنع إذا قلت: (يا جَعْفَ)؟ تبنيه على الضَّم فتقول: (يا جَعْفُ .. يا مِسْكُ .. يا مَنْصُ) فتُقدِّر الضَمَّة هنا، لأن هذه الضَمَّة في الأصل ليست ضَمَّة بناء: (مَنْصُ) ليست الضَمَّة ضَمَّة بناء، وإنما هي حركة بِنْيَة، فإذا نَويَت ضَمَّه حينئذٍ حذفت هذه الضَمَّة وجئت بضَمَّة بناء، فقلت: (يا مَنْصُ).

إذاً: (يا مَنْصُ) يحتمل على اللغتين، (مَنْصُ) بهذا اللفظ يَحتمل أنه على لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، إن جَعَلْت الضَمَّة هذه ضَمَّة بِنْيَة فهي لغة من ينتظر، وإن جَعَلتها ضَمَّة بناء فهي لغة من لا ينتظر.

(وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) اجعله ككون الآخر مُتَمَّمَاً وضعاً، أي: كالاسم التام الموضوع على تلك الصِيغَة، وحينئذٍ يُبنى على الضَّمِّ، ويُعَامل معاملة الموضوع على هذا اللفظ.

(فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ) أي: على الوجه الأول .. وهو مذهب من ينتظر .. لغة من ينتظر، (فِي ثَمُودَ يا ثَمُو)، ثَمُودَ تقول: (يا ثَمُو) بإثبات الواو، والأصل: أنه لا يوجد كلمة .. اسمٌ مُعرَب آخره ألفٌ لازمة البتًّة .. لا يوجد في لسان العرب، قيل: إلا (سمندو) و (قمندو)، أما اسمٌ مُعرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة لا يوجد إلا ويجب قلب الواو والياء والضمة كسرة، لا بُدَّ من القَلْب .. لا بد من الإعلال، وحينئذٍ إذا قيل: (يا ثَمُو) على لغة من ينتظر، هل يرد هذا الإيراد؟

نقول: لا، لا يَرِد؛ لأن الكلمة هنا: (يا ثَمُو) مع انتظار ونية الحرف المحذوف، حينئذٍ الواو هذه هل هي آخر حقيقةً أم حشواً؟ حشواً، لأنه على لغة من ينتظر، فلا يَرِد الإيراد بأنه كلمة مُعرَبة آخره واوٌ قبلها ضمة لازمة، نقول: هذا ليس بوارد، لأن هذه الواو صارت حشواً على لغة من ينتظر.

(فَقُلْ) هذا الفاء للتفريع، قل على الوجه الأول، (الأَوَّلِ) هذا صفة لموصوفٍ محذوف .. على الوجه الأول، وهو مذهب من ينتظر، في ترخيم (ثَمُود) (يا ثَمُو) بإبقاء الواو لأنها محكومٌ لها بِحكم الحشو .. بنية المحذوف، فلم يَلْزم مُخالفة النضير، يعني لا نقول: لا نضير له في لسان العرب، كلمة اسمٌ مُعْرَب آخره واو لا نضير له، نقول: لا، هذا الإيراد ليس بواردٍ.

(وقُل: (يا ثَمي) على الوجه الثاني (بياء)، يعني: بقلب الواو (ياءً) على لغة من لا ينتظر، لأننا إذا عَاملناها مُعاملة اللفظ الموضوع حينئذٍ ورَدَ الإيراد: ليس عندنا اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، إذاً وجب قلب الواو ياءً كأن اللفظ هكذا وُضِع أول ما تَكَّلَم الناطق به قال: (يا ثَمُو) فوجب قلب الواو ياءً، لأنه ليس عندنا حرف مُنتظر أو منوي، فبقيت الكلمة على حالها.

وقل: (يا ثَمي) بقلب الواو ياءً على الوجه الثاني، (بِيَا) أي: بقلب الواو ياءً لتطرفها بعد ضَمَّة وإلا لزم عَدَم النضير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015