لهذه الأسباب الأربعة حكمنا على الفعل بكون حذفه (لازماً) .. أصل الحذف: الجواز، ولكن نقول: (لازماً) للأسباب الأربعة: لظهور معناه فاستغنوا بالحرف عنه .. ظاهر المعنى، إذا قال: يا زيدُ، المعنى: أدعو زيداً .. إذا قال: أزيدُ .. أدعو زيداً، فالمعنى ظاهر، ولذلك تُحذَف حتى (يا) النداء، يقال: ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] ظهر المعنى فجاز الحذفُ، النائب وما أُنيبَ عنه وهذا واضحٌ بَيِّن، إذاً: لظهور معنى النداء استغنوا بالحرف عن الفعل.

ثانياً: إن جاء النداء إنشاء: يا زيد، هذا مطلوبٌ إقبالهُ بعد اللفظ، وكل ما يَقعُ مدلوله بعد التلفظ، حينئذٍ نقول: هذا إنشاء، وما وقع سابقاً فهو خبرٌ، وإظهار الفعل، لو قال: أدعو زيداً: فعل مضارع، أو أنادي زيداً: هذا يوهم أنه خبر، والمُرادُ من النداء الإنشاء، فحذفوا الفعل دفعاً لهذا الوهم، ثم التزموا حذفه.

ثالثاً: كثرة استعماله للنداء.

رابعاً: التعويض .. عوَّضُوا عنه (يا)، ومعلومٌ أن القاعدة العامة: أنه لا يُجمعُ بين العوض والمُعَوَّض عنه، إذا عُوِّذِضَ شيء عن شيء حينئذٍ لا يُجمعُ بينهما، إلا شذوذاً أو ضرورة في الشعر خاصة، حينئذٍ نقول: عوَّضُوا عنه، ولا يُجمعُ بين (يا) وبين (أدعو) لذلك وجب حذفه.

إذاً: أصل التركيب: أدعو زيداً، ثُمَّ حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً للأسباب السابقة، لكن إذا كان مبنياً حينئذٍ تَسلَّطَ العمل على المحل، وإذا لم يكن مبنياً حينئذٍ ظهر أثر العامل في المُنَادى نفسه .. في اللفظ نفسه، واضحٌ هذا.

إذا كانَ مبنياً لوجود المُقْتَضِي حينئذٍ نقول: تَسلَّط عمل العامل على المحل، لأن الأصل أن يَتَسلَّط عليه فيُظهره لفظاً، فإذا امتنع كالمبني حينئذٍ رجع إلى المحل، ولذلك نقول: انتصاب المُنَادى لفظاً أو محلاً.

وأما النكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف، لمَّا لَمْ يكن موجب البِناء ملحوظاً فيها كلها، حينئذٍ بقيت على أصلها وهو الإعراب، فظهر أثر العامل لفظاً، وليس عندنا شيءٌ اسمه محل في هذه الأحوال الثلاثة.

هذا المذهب الأول: وهو مذهب سيبويه، والجماهير على ذلك وهو الصحيح؛ لأنه مستقيم.

وأجازَ المُبَرِّد نصبهُ بحرف النداء لسده مَسَدَّ الفعل، هذا يأتي المذهب في الرتبة الثانية، وأما بقية المذاهب فهي ضعيفة: أن (يا) النداء هي التي نَصَبَتْ، حينئذٍ: يا زيد، نقول: هذا في محل نصب، ما الذي أحدث النصب؟ قال: (يا) لأنها سَدَّت مَسَدَّ الفعل، فإذا سَدَّت مَسَدَّ الفعل حينئذٍ صار الفعل كأنه نسياً منسياً، فإذا حصل أثرٌ في اللفظ أو في المحل فحينئذٍ يُنْظَرُ إلى النائب نفسه، وما سَدَّ مَسَدَّ الفعل فيُحَالُ العمل عليه، إذاً: الناصب للمُنَادى لفظاً أو محلاً عند المُبَرِّد هو (يا) النداء، لكونها سَدَّتْ مَسَدَّ الفعل .. لكن هذا ضعيف؛ لأن معلوم أن الأصل: أدعو زيداً، ولذلك تُصَرِّح به فتقول: أُنادي زيداً، حينئذٍ كان الأصل هو.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015