(عَادِماً خِلاَفَا) يعني: حال كونك عَادِماً خِلاَفَا، (عَادِماً) هذا اسم فاعل وهو حال، ويرفع ضميراً مستتراً، ونَصَبَ خلافاً على أنه مفعولٌ به له، (خلافاً) هذا مفعولٌ للحال، وسبق أن الحال: إذا كان اسم فاعل أو جاء صفةً، (صفةً) قلنا: هذا عام يشمل النعت والحال، وهذا مثالٌُ لما سبق.

قال الشارح هنا: " تَقدَّم أن المُنَادى إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرة مقصودة يُبنى على ما كان يُرفعُ به، وذَكَر هنا أنه إذا كان مفرداً نكرة، أي: غير مقصودة، أو مضافاً، أو مشبهاً به، نُصِبَ وجوباً، فمثال الأول قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي .. قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، وقولُ الشاعر:

أَيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنّ ... نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلاَّ تَلاَقِيَا

(أيَا رَاكِباً) أيَّ راكبٍ، هذا نكرة غير مقصودة، ولذلك وجب نصبه، (راكباً) تقول: مُنَادى وحرف النداء: (أيَا)، و (راكباً) مُنَادى منصوب واجب النصب، لماذا نُصِب؟ لكونه نكرة غير مقصودة، ولا نحتاج إلى محلٍ؛ لأنه ظاهر الإعراب.

ومثال الثاني وهو المضاف: يا غلامَ زيدٍ .. يا ضارب عمروٍ، انظر ابن عقيل مَثَّل بمثالين، الأول: يا غُلامَ زيدٍ، إشارة إلى الإضافة المحضة، يا ضارب عمروٍ، إشارة إلى الإضافة اللفظية، النحاة يعتبرون الأمثلة.

ومثال الثالث وهو الشبيه بالمضاف: يا طالعاً جبلاً، ويا حسناً وجهه، ويا ثلاثةً وثلاثين، لمن سميته بذلك .. ليس عدداً، وإنما صار علماً: يا مارَّاً بزيدٍ، (بزيدٍ) هذا مُتعلِّق بـ: (مارَّاً) حينئذٍ صار شبيهاً بالمضاف.

إذاً هذه الأحوال الثلاثة: النكرة غير المقصودة، والمضاف، الشبيه بالمضاف منصوبة.

وانتصابُ المُنَادى لفظاً في هذه الأحوال الثلاثة، أو محلاً في النكرة المقصودة والمعرفة، انتصاب المُنَادى لفظاً في هذه الثلاثة، أو محلاً في المبني هناك .. في المُعَرَّف بنوعيه عند سيبويه، والمشهور عند النحاة: على أنه مفعولٌ به.

وناصبه اخْتُلِف فيه على مذاهب خمسة، أشهرها اثنان:

الأول: أن ناصبه الفعل المُقدَّر الذي نابت عنه (يا) وهذا سبق في بيان حد النداء: أنه مُنَادى مطلوبٌ إقباله بـ (يا) نائبٍ مناب (أدعو) هذا الصحيح، فأصل: يا زيدُ عند سيبويه: أدعو زيداً، هذا الأصل، ثُم حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً .. حذفاً واجباً يعني؛ لكثرة الاستعمال هذا أولاً، ولدلالة حرف النداءِ عليه وإفادته فائدته.

إذاً: لماذا حُذِفَ حذفاً لازماً؟ نقول لأربعة أسباب:

أولاً: لظهور معناه فاستغنوا به، يعني: بـ (يا) النداء عنه.

ثانياً: النداءُ إنشاء، وإظهار الفعل يوهمُ الإخبار.

ثالثاً: كثرة استعمالهم النداء في كلامهم .. كثير هذا في كلام العرب.

رابعاً: عوَّضُوا عنه (يا) ولا يُجمعُ بينهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015