ابن عقيل هنا شرح ماذا؟ شرح المبني ولم يشرح المعرب، مع كونه نص ابن مالك على قوله: وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً؛ لأن إعرابه واضح بين لا يحتاج إلى تفصيل، فإعرابه إما أن يكون رفعاً وهذا إذا تجرد عن الناصب والجازم، وإما أن يكون نصباً وهذا يستلزم العلم بالمنصوبات، يعني: أدوات النصب، وإما أن يكون مجزوماً، وهذا يستلزم العلم بأدوات الجزم، وهذه إحالة على ما سيأتي، وإنما الذي يعنيه الناظم هنا: هو البناء فحسب، وأما الإعراب فسيأتي ذكره.
إذاً: إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة بالفعل المضارع وكانت مباشرةً له حينئذٍ بني معها على الفتح، إن لم تتصل به، بمعنى أنها لم تباشره، ولذلك قيد ابن مالك هنا، قيد بماذا؟ من نون توكيدٍ مباشرٍ، بمعنى: أنها اتصلت بالفعل ولم يفصل بينهما فاصل، وهل يتصور أن تكون نون التوكيد الثقيلة مع الفعل المضارع وبينهما فاصل؟ نقول: نعم، هذا يتصور، فإن وجد الفاصل لفظاً أو تقديراً حينئذٍ رجع الفعل إلى أصله وهو الإعراب، إذاً: ليس كلما رأيت نون التوكيد الثقيلة بجوار الفعل المضارع فهو مبني، بل لا بد أن نعرف: هل هذه النون مباشرةً للفعل أم لا؟ فإن باشرته بمعنى: أنه لم يفصل بين الفعل والنون فاصل، فحينئذٍ هو مبني، فإن فصل بينهما فاصل فحينئذٍ نقول: هو معرب، فإن لم تتصل به لم يبن، وذلك كما إذا فصل بينه، يعني: بين الفعل وبين النون فاصل ملفوظ به كألف الاثنين.
لو قلت: هل تضربانِّ؟ أصلها ماذا؟ انظروا إلى ابن عقيل: هذه لا ينطق بها، هل تضربان، هذا أكد فعل مضارع أسند إلى ألف الاثنين، فاعله ألف الاثنين، حينئذٍ هذه النون ليست متصلة .. ليست مباشرةً بالفعل المضارع، لماذا؟ لوجود الفاصل الملفوظ به وهو ألف الاثنين، فانتفى أن يركب بين نون التوكيد والفعل، لماذا؟ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء، لأنه هناك اغتفر .. ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] لكون الفعل ركب مع نون التوكيد تركيب خمسة عشر؛ لأن العرب تركب بين شيئين، وأما ثلاثة أشياء فلا، فلذلك امتنع بناؤه.
هل تضربانِّ، ما أصله؟ هل تضرباننن .. النون الأولى: نون الرفع، والنونان الأخريان نون التوكيد، هذه كم نون؟ ثلاث نونات، نون الرفع ونون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة عبارة عن نونين: الأولى الساكنة وهي المدغمة في الثانية المتحركة، إذاً: ثلاث نونات، العرب تكره توالي الأمثال، وإذا كانت زائدة هذا أعظم وأعظم.