وأعربوا، هذا ليس على إطلاقه بل قيده بحرف الشرط: إن عري .. يعني: إن خلا من النونين، فإن لم يخل من النونين حينئذٍ الحكم وهو الإعراب منتف، لماذا؟ لأنه قيد الإعراب بشرط، وإذا كان كذلك وحينئذٍ يزول المشروط بزوال الشرط وهو الإعراب، فإن لم يتصل .. فإن اتصل به نون التوكيد ونون الإناث حينئذٍ رجع إلى أصله وهو البناء.
وأعربوا مضارعاً .. على خلاف الأصل، وإلا مطلقاً، بل إن عري .. قلنا: عري بكسر الراء ماضي يعرى، كرضي يرضى، أي: خلا، وأما عرى يعروا كعلا يعلو فبمعنى: عرض، عَرِيَا .. مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ، ولو تقديراً كما سيأتي، وإن عري من نون إناث، يعني: نون موضوعة للإناث، وإن استعملت مجازاً في الذكور.
ولذلك ابن مالك في هذه الألفية باستقراء أنه لا يعبر بنون النسوة، وإنما يقول: نون الإناث، لماذا؟ لأنها قد تستعمل في غير النسوة، النسوة عقلاء .. عاقلات، حينئذٍ إذا استعملت النون في غير النسوة ويقال: هي نون النسوة هذا محل إشكال، فإذا استعملت في غير نون النسوة حينئذٍ لا تسمى بهذه، لذلك نقول: لم يقل: نون النسوة لأنها تشمل العاقل ولغير العاقل، الناقة، أو النوق يسرحن، يسرحن: هذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث.
إذاً: نون الإناث التعبير بها أولى من التعبير بنون النسوة، كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ، هذا مثال لأي شيء، للمعرب أو للمبني؟ يَرُعْنَ، كقولك: يَرُعْنَ .. يَرُعْنَ: هذا مضارع راع بمعنى: أفزع، يَرُعْنَ النسوة .. يَرُعْنَ: هذا فعل مضارع مبني، على السكون لاتصاله بنون الإناث، من فتن، ونون الإناث ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، مَنْ فُتِنَ، يعني: مَنْ فُتِنَ بِهنَّ، وحينئذٍ هذا مثال للمبني لا للمعرب.
إذاً: الفعل المضارع نقول: له حالان: حال إعراب، وحال بناء، حال إعرابه له ثلاثة أحوال:
إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مجزوماً، وهذه كلها سيفرد لها المصنف أبواب .. المرفوع سيذكره في بيت، ثم يذكر باباً للمنصوبات أو الفعل المضارع المنصوب والنواصب، وكذلك الجوازم، وهنا ذكر المبني.
.......................
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا
نُونِ إنَاثٍ ..............................
قال ابن عقيل هنا: والمعرب من الأفعال هو المضارع، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث، فهو شرط عدمي، يعني: عدم اتصال هذين اللفظين بالفعل المضارع هو المسوغ لإعرابه، فإن وجد هذا الشرط المنفي، يعني: من جهة الوجود حينئذٍ انتفى الإعراب ورجع إلى الأصل.
مثال نون التوكيد المباشرة: هل تَضْرِبَنَّ .. تَضْرِبَنَّ: هذا فعل مضارع مبني على الفتح، لماذا بني، هل نسأل: لماذا بني؟ بل نسأل؛ لأن الفعل المضارع لما صار معرباً في أكثر أحواله صار الإعراب فيه كالأصل والبناء كالفرع، فإذا بني حينئذٍ نحتاج إلى سؤال: لم بني الفعل المضارع في هذا؟ سيأتينا، هل تَضْرِبَنَّ؟ إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة بالفعل المضارع وبني معها على الفتح، والفعل معها مبني على الفتح، ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة، فإن لم تتصل به لم يبنَ.