إذاً قوله: (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا) المُنَادَى هذا قالوا: ليس بقيدٍ بل بيان، وأخَّره عن قوله: (المُعَرَّفَ) ضرورة، يعني: الأصل أن يقول: وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَ هذا الأصل، وإنما أخرهُ من باب الضرورة، هل هو للاحتراز أو لبيان الواقع .. هل احترز به عن شيء مُعرَّف وليس بمُنَادى .. هل احترز به، أم أنه لبيان الواقع؟ نقول: لبيانِ الواقع؛ لأن الكلام الآن في أحكام المُنَادى، إذاً: لا يدخل غير المُنَادى، منذ أن قال: النِداءُ، علمنا أن كل ما يُذْكَر فهو داخلٌ في النداء.
ولذلك نَرُدُّ اعتراض ابن عقيل هناك: (وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ) معَ المُبتدأ .. هكذا قال، لا بُدَّ أن يقول الناظم: مع المبتدأ، وإلا صار مُنتَقداً، نقول: لا، هذا مع المبتدأ قاله معنىً، بقوله: الابتداء، لمَّا قال: الابتداء، علمنا أن الأحكام التالية كلها تتعلق بالمُبتدأ والخبر فلا اعتراض، إذاً: المُنَادى هنا ليس بقيدٍ بل بيان.
وأخَّره عن قوله: المُعرَّف ضرورةً، والأصل أن يقول: وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَا، ولذلك إعرابه: بدل أحسن.
(المُفْرَدَا) والمرادُ بالمفرد هنا: هو المفرد في باب (لا)، فدخل في ذلك المركب المزجي، والعددي، والمثنى، والمجموع، وهو معرفة، حينئذٍ كيف نقول: معرفة؟ يا زيدان هل هو معرفة أو نكرة .. ويا زيدون هل هو معرفة أو نكرة .. زيدان لوحدها معرفة أو نكرة .. زيدان هكذا دون (أل) معرفة أو نكرة؟ نكرة، والزيدان؟ معرفة، مُعرَّف بماذا؟ بـ (أل)، وهو مثنى لأي شيء؟ زيد، زيد علم أو معرفة؟ معرفة.
كيف يكون الأصل المفرد معرفة علم، وفرعه المثنى والجمع ليس بعلم؟ نقول: كما ذكرنا سابقاً من شرط التثنية والجمع: قصد التنكير، إذاً: نُكِّرَ أولاً ثُم ثُنِّيَ، فلما ثُنِّيَ صارَ: زيدان بدون (أل)، فأُدخلت عليه (أل) من أجل أن يُعَرَّف فيرجع إلى أصله، إذا لم تدخل عليه (أل) بقيَ على تنكيره، فحينئذٍ إذا قيل: زيدان هكذا نكرة، فإذا أدخلت عليها (يا) فقلت: يا زيدان صار نكرة مقصودة، وإذا صار نكرة مقصودة حينئذٍ صار معرفةً.
إذاً: هو مُعرَّفٌ بالنداء، وليس معرفاً بأصله، وإلا فهو نكرة، زيدان نكرة، يا زيدان معرفة، والتعريف إنما حصل له بالنداء، كما أنه حصل له في قولنا: الزيدان بـ (أل)، وكذلك: يا زيدون، زيدون هذا معرفة، يا زيدون بالتركيب هكذا معرفة، لماذا؟ لأنه صار نكرة مقصودة فتَعرَّف بالنِداء.
ونحو: يا زيدان ويا زيدون من النكرة المقصودة لا من العلم .. انتبه لا من العلم؛ لأن العلمية زالت، فتعريفهما حينئذٍ بالقصد والإقبال، مثل تعريف: يا رجل، وأمَّا: يا زيد، فهو معرفة قبل النداء وبعد النداء، وإنما زاده القصد والإقبال زيادة إيضاح وتعريف، خلافاً لما قال بعضهم: من أنه قد سُلِب العلمية ثم دخلت عليه (يا) فتَعرَّفَ؛ لأن النداء مُعَرِّف .. إقبال، والقصد مُعرِّف، حينئذٍ اجتمع معرفان، نقول: لا، هو الأصل معرفة وعلم، ثُمَّ بإدخال (يا) عليه وبالقصد والإقبال ازداد وضوحاً وتعريفاً.