(أَو يَا) يعني: يُستعملُ في الندْبةِ (يا) وعرفنا المندوب المراد به: المُتَفَجَّع عليه أو المُتَوَجَّع منه، حينئذٍ نقول: يا ولداه .. يا ظهراه .. يا رأساه، إن دَلَّتْ قرينة على أنه مندوب جاز، وإن لم يدل قرينة فحينئذٍ الأصل في استعمال (يا) أن يكون للمُنَادى على جهة العموم .. حقيقي، ولذلك قال: (وَغَيرُ وَا) يعني: يُستعملُ في الندبة متى؟ (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ).

(وَغَيرُ وَا)، (غَيْرُ) مبتدأ وهو مضاف و (وَا): مضافٌ إليه .. قُصِدَ لفظه، (لَدَى) بمعنى: عِنْدَ مُتَعلِّق بقوله: (اجْتُنِبْ).

و (لَدَى اللَّبْسِ)، (لَدَى) مضاف و (اللَّبْسِ) مضافٌ إليه، و (اجْتُنِبْ) نائب الفاعل هنا ضمير يعود على استعمال (يا) في الندب، إذا حَصَلَ لبسٌ حينئذٍ يُمنعُ استعمال (يا) في الندب، نحو ماذا؟

حَمَلْتَ أمراً عَظِيماً فاصْطَبَرْتَ لهُ ... وَقُمْتَ فِيهِ بِأمْرِ الله يا عُمَرَا

قالوا: هذه (يا) هنا استُعْمِلَت استعمالَ (وا)، وهذا واضحٌ أنه المرادُ به: الندْبَة لأنه قاله حين وفاة عمر، فليس ثَمَّ نداء، ثُمَّ لو كان مُنَادى لقال: يا عُمَرُ، لكنه قال: يا عُمَرَا، كما يُقال: يا ولداهُ .. واولداهُ، حينئذٍ نقول: الألف هذه ألف الندبة. فَصَدَر ذلك مع موت عمر، فدَلَّ على أنه مندوب، وقال الصبان: وليس الدليل الألف؛ لأنها تلحق آخر المستغاث والمُتَعَجب منه " لكن الظاهر أن الألف هنا ألف الندبة؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: يا عُمَرُ، إذاً: هذه الأحرف تختص بالنداء على التفصيل الذي ذكرناه.

قال الشارح هنا: " لا يخلو المُنَادى من أن يكون مندوباً أو غيره " غيره يعني: غير مندوب " فإن كان غير مندوبٍ فإمَّا أن يكون بعيداً أو في حكم البعيد " منزلة واحدة .. هذه مرتبة واحدة، " كالنائم والساهي، " النائم والساهي هذا في حكم البعيد، لو كان بجوارك تخاطبه كأنه بعيد لأن الساهي في واد آخر، هو معك بجسمه وأمَّا عقله وروحه فليست معك .. تكون في دولة أخرى! فيحتاج إلى حرفٍ تجذبه إليك.

" كالنائم والساهي، أو قريباً، فإن كان بعيداً أو في حكمه فله من حروف النداء (يا) و (أي) و (آ) و (هيا) "، أسقط من الشرح (أيا) خمسة هي: (يا) و (أي) و (آ) و (أيا) و (هيا) ليست موجودة في الشرح، هذه الخمسة يُنَادى بها البعيد أو ما هو في حكم البعيد، وإنما نودي البعيد بهذه الأدوات المشتملة على حرف المد انظر! حرف مد (يا) .. (آي) .. (وآ) يعني: (آ) .. (أيا) .. (هيا) كلها مشتملة على حرف مد؛ لأن البعيد يحتاج في نداءه إلى مَدِّ الصوت ليُسْمَع .. تريد أن تسمعه من أجل أن يسمع تَمُدَّ له الصوت فناسب أن يكون للبعيد، وهو ظاهرٌ في غير (أي) بقصر الهمز.

وهذه العلة تؤكد ما ذهب إليه ابن برهان: أن المتوسط له (أي) وهذا أولى: أن يُجْعَل (أي) للمتوسط، والهمز للداني وما عداهما تُجعلُ للبعيد، وأمَّا مسالة التنزيل لا ضابط لها .. مسألة التنزيل هذا خروجٌ عن الأصل .. كأنه مجاز، والكلام في الحقيقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015