وإن كان قريباً فله الهمزة: أزيدُ أقبل، وإن كان مندوباً وهو المُتَفَجَّعُ عليه أو المُتَوَجَّعُ منه فله (وا): وا زيداه .. وا ظهراه، و (يا) أيضاً يُستَعْمَل في الندب عند عدم التباسه بغير المندوب، فإن التَبَس تَعَيَّنَت (وا) وامتنعت (يا)، و (يا) هذه عند النحاة: هي أُمُّ الباب، ولذلك تدخل في كل نداء، على القريب والبعيد والمتوسط، وتَتَعيَّن في لفظ الجلالة: اللهُ .. يا اللهُ، لا يُنَادى لفظ الجلالة: يا الله إلا بـ (يا)، وأمَّا ما عداها فلا تدخل، لا يُقال: اللهُ .. آلله لا، آلله: هذا قسم.
وتَتَعيَّن في الله تعالى، فعمومها باعتبار المحل، ولا يُقَدَّرُ عند الحذف سواها: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا)) [البقرة:200] رَبَّنَا: هذا مُنَادى، بماذا نُقَدِّر حرف النداء؟ (يا) فقط، ما يجوز: أربنا .. أي ربنا ما يجوز، وإنما يُقدَّرُ (يا) فقط فهي التي تُحذَفُ.
ولا يُقدَّرُ عند الحذف سواها، وكما تَتَعيَّن في لفظ الجلالة تَتَعيَّن في المُستغاث و (أيها) و (أيتها): يا أيها المسلمون، نقول: هذا (يا) ما يصح أن تأتي بغيرها، كذلك: أيتها المسلمات .. يا أيتها المسلمات، يَتَعيَّن معها (يا) ولا يجوز غيرها؛ لأن الأربعة لم يسمع نداؤها إلا بـ (يا)، ما هي هذه الأربعة؟ لفظ الجلالة: الله .. المُستغاث. (أي). (أيها) المؤمنون. (أيتها) المسلمات.
لم يسمع نداؤها (أي) و (أيتها) إلا بـ (يا) فيَتَعيَّن معها، ولذلك أُمَّ الباب دائماً يُتَصَرَّفُ فيه ما لا يُتصَرَّفُ في غيره.
إذاً نقول: الحروف التي ذكرها الناظم هنا كم؟ خمسة للبعيد، (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) هذه السادسة، و (وَا) هذه سبعة أحرف، و (آي) بالمد هذه ثمانية، إذاً: للنداء ثمانية أحرف جاءت في لسان العرب على التفصيل الذي ذكرناه.
ونقول هنا تلخيصاً لما سبق: (يا) هي أم الباب وهي أعم حروف النداء، ولا يُقَدَّرُ عند الحذف غيرها، واختُلِفَ فيما يُنادى بها، فقال ابن مالك: " هي للبعيد حقيقةً أو حكماً كالنائم والساهي " وهذا الذي ذكره في الألفية، وقال أبو حيان: " هي أعم الحروف وتُستعملُ للقريب والبعيد مطلقاً " وهذا لم يُنَازِع فيها أيضاً ابن مالك رحمه الله.
قال ابن هشام: " (يا) حرفٌ لنداء البعيد حقيقةً أو حكماً - هذا وافق فيه ابن مالك -، وقد يُنَادى بها القريب توكيداً " وهذا قلنا: ليس خاص بـ (يا) كل ما كان للبعيد يجوز أن يُنَادى به القريب فيكون الزيادة على القرب توكيدٌ له، من غير عكس، يعني: ما كان للبعيد لا يُنَادى به القريب إلا على جهة التنزيل، وقد يُنَادى بها القريب توكيداً وقيل: هي مشتركة بين القريب والبعيد، وقيل: بينهما وبين المتوسط، هذه كلها متداخلة .. الخلاف هنا لفظي وليس حقيقي؛ لأن (يا) تُستعملُ في الجميع: البعيد والقريب والمتوسط.