والهمزةُ للقريب، و (أي) للمتوسط، و (يا) للجميع، يعني: ينادى بها القريب والبعيد والمتوسط، وأجمعوا .. النحاة: على أن نداء القريب بما للبعيد يَجوزُ توكيداً، يعني: استعمال ما وُضِعَ للبعيد في القريب يجوز، لأنه قريبٌ وزيادة، إذا قيل: (يا) .. (هيا) .. (آيا) هذا للبعيد فيشمل القريب، لو ناديت بعيداً سمعه القريب كذلك، حينئذٍ هو قريب وزيادة، فيُسْتَعملُ ما للبعيد للقريب؛ لأنه يكون فيه دلالة على النداء وزيادة من باب التأكيد، فيسمع من لم يسمع: يا زيد هو قريب، فيُستعمل له ما للبعيد.

وأجمعوا على أن ندا القريب بما للبعيد يجوز توكيداً، وعلى منع العكس، ما هو العكس؟ أن يُنَادى البعيد بما للقريب، فلا يُقال للبعيد: أصفوان، وهو بعيد هناك إلا بمكبر، نقول: هذا ممنوع لأن القريب لا يُمَدُّ معه الصوت، ولذلك الحروف هذه بعضها ممدودة الصوت: (هيا) (آيا) (يا) فيها مد صوت، ولذلك قيل: النداء مأخوذٌ من: نَدا صوته أو نَدِيَ صوته، وهو إذا رفع صوته وعلا، حينئذٍ فيه معنى الرفع، والبعيد يناسبه رفع الصوت والمد، بخلاف القريب: أزيد أقبل، هذا قريب.

وعلى منع العكس لعدم تأتي التوكيد في صورة العكس، ومحل المنع إذا لم يُنَزَّل البعيد مُنَزَّلةَ القريب، وإلا جاز نداؤه بما للقريب إذ لا مانع منه حينئذٍ، مسألة التنزيل هذه مختلفة من شخص إلى شخص، ومن حالٍ إلى حال، والمراد: الأصول استعمال اللفظ بحقيقته، هو للبعيد وهذا للقريب، قد يُعامل القريب مُنَزَّلةَ البعيد وقد يُعامل البعيد مُنَزَّلةَ القريب، القريب يُعامل مُنَزَّلةَ البعيد فيؤتى بأحرف النداء الدالة على البُعد، وكذلك البعيد والكلام في الحقائق.

وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا ... وَأَي وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا

(أَي) قلنا بسكونٍ وقد تُمَدُ همزتها، و (أَيَا) قيل: أصلها (يا) ودخلت عليها الهمزة، (ثُمَّ هَيَا) وقيل: هذه مُبدَلة عن (أَيَا).

(وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) يعني: بالقريب نحو: أزيدُ أقبِل، (وَوَا لِمَنْ نُدِبْ) لِمَن نُدِب يعني: المندوب، (من) وما دخلت عليه في تأويل مشتق، يعني: مندوب، (من) هنا موصولة، ونُدِب: هذا مُغَيَّر الصيغة، يعني: لمن دُعيَ ونُودِيَ على جهة الندبِ، والمندوب هو المُتَفَجَّعُ عليه أو المُتَوَجَّعُ منه، مُتَفَجَّع عليه: ولداه .. وولداه، يخاف عليه يسقط مثلاً، نقول: هذا مُتَفَجَّع عليه.

مُتَوَجَّعٌ منه: وارأساه .. واظهراه هذا مُتَوَجَّعٌ منه. نحو: واولداه وارأساه.

قال الرضي: وقد يُستعملُ في النداء المحض وهو قليل " يعني: (وا) قد يُستعملُ في النداء المحض الذي ليس فيه تَفَجَّعُ لكنه قليل، لكن بعضهم حكى الإجماع أنه لا يُستعملُ إلا في الندبة فقط، وأمَّا ما عداه فلا يُستعمل، لكن الرضي قال: هنا قليل.

وقال في المغني: أجاز بعضهم استعمال (وا) في النداء الحقيقي، وافق ما ذهب إليه الرضي أو العكس لأنه مُتقدِّم.

حينئذٍ الأصل في الندب .. أن يكونَ مُتَفَجَّعاً عليه أو منه، أو مُتَوَجَّعاً منه، الأصل: أن يكون بـ (وا) واولداه .. واظهراه، هل يُستعملُ (وا) في غير الندبة؟ قليل جداً، يعني: يجوزُ ولكنه على قلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015